عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Nov-2025

هل إسرائيل "على حافة الانهيار"؟ حوار مع إيلان بابيه (1 - 2)

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كريس هيدجز* - (تقرير كريس هيدجز) 2025/10/31
على الرغم من الإحباط والدمار الذي أحدثته حملة الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين على مدى العامين الماضيين، قد تجد إسرائيل نفسها الآن في أضعف نقطة في تاريخها القصير.
 
 
في كتابه الجديد "إسرائيل على الحافة" Israel on the Brink، يقدم المؤرخ الإسرائيلي المعروف إيلان بابيه Ilan Pappé أطروحة تفيد بأن الطريق الذي تسلكه إسرائيل حالياً غير قابل للاستدامة. ومع مزيج من الضغوط الداخلية، والسياسية، والعسكرية والدولية، ستستمر إسرائيل في فقدان الاستقرار.
يكتب بابيه:
"قد يكون السقوط المحتمل لإسرائيل إما مثل نهاية جنوب فيتنام، حيث يتم محو الدولة بالكامل؛ أو مثل جنوب أفريقيا، حيث يسقط نظام أيديولوجي معين ويحل محله نظام آخر. أعتقد أنه في حالة إسرائيل، ستتجلى عناصر من كلا السيناريوهين أسرع مما يمكن لمعظمنا أن يفهمه أو يكون مستعدًا له".
في هذا الحوار، يسرد هيدجز وبابيه المسار الذي سلكته إسرائيل للوصول إلى هذه النقطة، وهو مسار يتسم بالتعصب الديني المتطرف الذي تعبر عنه شخصيات في أعلى مناصب الحكومة، مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وما يبدو عليه المستقبل بالنسبة لهم -وكذلك للسكان الفلسطينيين المدمرين. كما يناقش إيلان بابيه كتابه الجديد والديناميات التي تجعله يتوقع أنه، في وجود إسرائيل مفككة ومتطرفة دينياً، "سينهار المشروع الصهيوني أمام أعيننا".
*   *   *
كريس هيدجز: يجادل المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بأن إسرائيل تتداعى. ويعرِّف الحكومة الحالية اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو بأنها "صهيونية جديدة"، بمعنى أن القيم القديمة للصهيونية أصبحت أكثر تطرفاً، وأكثر صراحة في عرض عنصريتها، وأكثر تجسيدًا للتفوقية وأكثر عنفاً. وقد تخلت هذه الدولة الصهيونية الجديدة عن النهج التدريجي -التطهير العرقي البطيء للفلسطينيين الذي كان يميز الحكومات الصهيونية السابقة.
إنها حكومة تستخدم الإبادة الجماعية كسلاح لإفراغ قطاع غزة من الفلسطينيين -وربما قريباً الضفة الغربية. وتهيمن عليها جماعات يهودية متطرفة حولت إسرائيل إلى ما يسميه بابيه "دولة يهوذا"، متميزة عن الدولة الإسرائيلية القديمة. وتدمج "دولة يهوذا"، التي يديرها مستوطنون يهود متعصبون يعيش 750.000 منهم في الضفة الغربية، الصهيونية الدينية باليهودية الأرثوذكسية، وتسعى إلى تأسيس إمبراطورية إسرائيلية تهيمن على جيرانها العرب، وخاصة لبنان والأردن وسورية.
يشير بابيه أيضًا إلى أن الكراهية التي يحملها الذين يديرون هذه الدولة الصهيونية الجديدة، "دولة يهوذا"، تمتد إلى اليهود الإسرائيليين العلمانيين. ويضيف أن هذا يعني في نهاية المطاف أن إسرائيل ستتصدع بطريقة تجعلها غير قابلة للاستدامة. وفي الوقت نفسه، مع تراجع الإمبراطورية الأميركية، وهي عملية تسارعت بفعل عدم كفاءة إدارة ترامب وفسادها، ستتآكل الركيزة الأساسية لدعم إسرائيل، مما سيجبر الولايات المتحدة على إعادة التموضع، بما في ذلك في الشرق الأوسط.
ماذا يعني انهيار إسرائيل للإسرائيليين، والفلسطينيين، وللشرق الأوسط؟ هل سيفتتح عملية إنهاء الاستعمار؟ أم أنه سيزيد من العنف وإراقة الدماء والتطرف؟ هل سيكون من الممكن استبدال إسرائيل بدولة علمانية، حيث تكون للفلسطينيين حقوق متساوية مع الإسرائيليين؛ دولة واحدة، وصوت واحد لكل فرد؟ أم أن إسرائيل ستذبل وتتحول إلى ثيوقراطية مستبدة، حيث تهرب النخبة العلمانية المتعلمة من البلد ويتفكك اقتصادها تحت وطأة الانهيار؟
معنا لمناقشة مستقبل إسرائيل وكتابه الجديد "إسرائيل على الحافة"، إيلان بابيه، أستاذ التاريخ في كلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكستر في المملكة المتحدة، ومدير المركز الأوروبي لدراسات فلسطين في الجامعة. ومن كتبه الأخرى: "التطهير العرقي لفلسطين، عشر أساطير عن إسرائيل وتاريخ فلسطين الحديث".
ولنبدأ بأحدث الأخبار من قطر؛ محاولة اغتيال قادة "حماس" الذين كانوا يجتمعون على ما يبدو، بحسب جميع التقارير، لمناقشة قبول اتفاقية وقف إطلاق النار الأخيرة.
 
إيلان بابيه: نعم، كريس، شكراً لاستضافتي مرة أخرى في برنامجك. إنه لشرف وسعادة كبيرة لي أن أكون هنا. أعتقد أن الذين يتابعون عن كثب سياسة بنيامين نتنياهو تجاه المفاوضات مع "حماس" أو تجاه فكرة إيجاد مخرج من الحرب الحالية في غزة، لم يتفاجأوا بالهجوم.
في الحالات السابقة حيث كانت هناك فرصة لإبرام صفقة، وجد نتنياهو طرقاً غير عسكرية، إذا جاز التعبير، لجعل ذلك مستحيلاً. هذه المرة، وبسبب التدخل الأميركي، كان من الواضح أن "حماس" كانت تسير خطوات كبيرة نحو تلبية المطالب الإسرائيلية، وبالتالي كانت الصفقة ممكنة، وكانت الطريقة الوحيدة لتعطيل الصفقة هي شن هذا الهجوم الاستفزازي على فريق "حماس" المفاوض.
بل إنهم لم يكونوا حتى قيادات "حماس" نفسها. لقد هاجم فريق التفاوض على أمل أن يؤدي ذلك إلى وضع لا تعود فيه المفاوضات نقطة انطلاق صالحة. لكن الهجوم نفسه فشل، ولم يتغير موقف "حماس" أيضاً. إنهم ما يزالون مستعدين للتفاوض على صفقة. أعتقد أن هذا يشكل أحد أبعاد ذلك الهجوم.
البعد الآخر هو ما أشرتَ إليه في ملاحظاتك التمهيدية. هذا هو الحمض النووي للحكومة الإسرائيلية الحالية؛ الإحساس بأنهم حكام الشرق الأوسط، وأنهم القوة المهيمنة، وأنّ من الجيد بين الحين والآخر أن يُظهروا لكل جزء من الشرق الأوسط أنهم يمتلكون القوة والقدرة على فعل ما يريدون من دون اعتبار للقانون الدولي أو سيادة الدول العربية.
إنه في الحقيقة شعور لديهم بأن العالم العربي، أو على الأقل أنظمة العالم العربي، تحت رحمتهم بالكامل وخاضعة لإرادتهم. وأعتقد أن هذه كانت الأهداف المزدوجة لهذا الهجوم؛ أحدها تكتيكي يتعلق بالمفاوضات، والآخر جزء من الشعور المتغطرس بأنهم الآن القوة الفعلية في المنطقة، وهذا يتوافق تماماً مع الرؤية المسيانية للصهيونية الجديدة القائمة على إعادة بناء مملكة إسرائيل القديمة كما ورد في العهد القديم، في الكتاب المقدس، معتقدين أنهم قادرون الآن على إعادة بنائها بالنوع نفسه من القوة والنفوذ.
 
كريس هيدجز: ردّة فعل إدارة ترامب، من الصعب معرفة ما هي الحقيقة. إنّ ترامب يكذب كما يتنفس، لكنه يزعم، بطبيعة الحال، أنه لم يعلم بالأمر إلا بعد أن أبلغته القوات الأميركية.
التحذير الذي قيل إنه أُرسل إلى قطر، بحسب القطريين، بدأ بعد عشر دقائق من بدء القصف. وهناك أكبر قاعدة جوية أميركية في الشرق الأوسط في قطر، وكان يمكنها بالتأكيد رصد تحركات الطائرات الإسرائيلية من خلال أنظمة الرادار. كيف تقرأ رد فعل الولايات المتحدة وتأثير هذه الضربة على أميركا؟
 
إيلان بابيه: أعتقد أن هذا كان طريقة لمحاولة التغطية على ما حدث فعلياً. بعد كل شيء، ليس الأمر فقط أن لديكم أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، في قطر، بل لديكم القيادة العليا للمنطقة بأكملها هناك؛ القيادة الأميركية العليا للمنطقة بأكملها توجد في قطر. لم يكن سلاح الجو الإسرائيلي ليُرسل طائرة واحدة إلى هذا المجال الجوي من دون إعلام تلك القيادة في قطر على الأقل.
لذلك، أعتقد أن الأميركيين كانوا على علم بأن هذا سيحدث. أعتقد أن ترامب بدأ يفهم أن نتنياهو يعتقد أحياناً أن فرض الوقائع على الأرض سيكون كافيًا لضمان أن ترامب، حتى لو لم يكن سعيداً تماماً بالإجراء، سيصادق عليه بعد حدوثه. ولذلك، أعتقد أن الأميركيين كانوا على علم بذلك.
وقد قرروا عدم إيقاف الهجوم بأي وسيلة قوية أو قسرية، وأملوا -وربما ما يزالون يفكرون كذلك في هذه اللحظة- أنهم نجحوا بطريقة ما في التغطية على هذه الحادثة، كما قد يسمونها، والحفاظ على علاقتهم الجيدة مع كل من إسرائيل وقطر.
عند نقطة ما، لن يكون من السهل على الأميركيين التوفيق بين هذه الأنواع من السياسات المغامرة. لقد نجح ذلك حتى الآن بسبب ضعف المواقف العربية، ونوع من الاختلال في احترام الذات والكرامة. لكنّهم قد يجدون ذات يوم أنه حتى هذا أصبح بالنسبة لهم أكثر من اللازم. وعندئذ، قد تصبح كل هذه اللعبة الأميركية لتلمس الطريق أو الموازنة بين المصلحتين المختلفتين للولايات المتحدة المختلفة في المنطقة، هذه الطريقة للموازنة، غير ممكنة بعد في المستقبل.
 
كريس هيدجز: في جلسة عشاء في القاهرة قبل بضعة أشهر مع رئيس سابق لوزارة الإعلام في عهد عبد الناصر، والذي كان الرئيس المصري السابق أنور السادات قد ألقى به في السجن لمدة عشر سنوات، أوضح لي بالضبط هذه النقطة. قال لي إن المشكلة ليست أن إسرائيل قوية؛ إنها المواقف العربية الضعيفة.
إيلان بابيه: تماماً، بالضبط. هذا شيء، كما تعلم، مهما كان ما نفكر به بشأن جمال عبد الناصر، أو قادة البعث السابقين في سورية والعراق، فإنهم لم يكونوا ليتسامحوا مع هذا السلوك الإسرائيلي. لا شك في ذلك، ومع كل المخاطر التي ينطوي عليها استخدام صيغ "ماذا كان سيحدث لو.." في التاريخ، يمكن الجزم بذلك بقدر معقول من اليقين.
 
كريس هيدجز: إذن دعنا نتحدث عن "دولة يهوذا"، ما الذي يعنيه ذلك، وكيف يكون متميزًا عن دولة إسرائيل.
 
إيلان بابيه: نعم، "دولة يهوذا" هي نوع من البنية السياسية التي بدأت في الظهور في المستوطنات اليهودية، في المستعمرات التي بُنيت في الضفة الغربية بعد حرب حزيران (يونيو) 1967. وفي البداية، كان هذا...
كريس هيدجز: دعني أقاطع هنا لأقول للناس إن ذلك كان الوقت الذي احتلت فيه إسرائيل غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
 
إيلان بابيه: والضفة الغربية، بالتأكيد. نعم، ما نسميه "حرب الأيام الستة" حين احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى جانب هضبة الجولان وشبه جزيرة سيناء. وفي داخل الضفة الغربية، التي اعتبرها مجموعة من الأيديولوجيين والكتل السياسية الإسرائيلية اليمينية أرض إسرائيل القديمة، تم تطوير بنية أيديولوجية معينة.
في البداية، كانت هذه الحركة هامشية جداً. وكان لها تأثير ضئيل على السياسة الإسرائيلية. ولكن بمجرد أن أنهى حزب الليكود، تحت قيادة مناحيم بيغن في العام 1977، هيمنة الصهيونية العُمالية على السياسة الإسرائيلية والصهيونية، أصبح لهؤلاء الأيديولوجيين تأثير أكبر بكثير وبدأوا في تطوير ما يشبه مراكز تعليمية. ومن خلال كتابات حاخاماتهم ومعلميهم، وهي نوع من الأدب كان أيديولوجياً بطبيعته وفسّر واقع السبعينيات والثمانينيات، ولاحقاً القرن الحادي والعشرين، كلحظة تاريخية هائلة في حياة الشعب اليهودي، حيث ستعود إسرائيل القديمة التوراتية، ويتم إحياء أيام العصر الذهبي والفترة المجيدة السابقة.
في هذا الصدد، قال المنظّر الأيديولوجي إن هناك أمرين يجب أن يحدثا: أولًا، إنك تحتاج إلى امتلاك السيادة على كامل "أرض إسرائيل" القديمة؛ أي على كامل فلسطين التاريخية، وإسرائيل، والضفة الغربية، وقطاع غزة. وثانيًا، يجب عليك إدامة نظام حكم ثيوقراطي.
بذلك، لم تكن المشكلة تتعلق فقط بوجود الكثير من الفلسطينيين في المملكة الجديدة المشتهاة، بل أيضاً في وجود اليهود العلمانيين الذين خدموا غرضاً معيناً في التاريخ في نظرهم، لكنهم استنفدوا دورهم التاريخي فعلياً، ولذلك شكلوا أيضاً عائقاً أمام إعادة إنشاء المملكة التوراتية المجيدة التي قرأوا عنها في "العهد القديم".
الآن، من مجموعة هامشية في السبعينيات والثمانينيات، أصبح هؤلاء قوة سياسية نافذة لأنهم نجحوا في تمهيد الطريق للوصول إلى الأجزاء الأكثر فقراً من المجتمع اليهودي الإسرائيلي، خاصة بين الجيلين الثاني والثالث من يهود شمال أفريقيا الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة في المدن الكبرى، في المدن التنموية سيئة السمعة في إسرائيل، التي تفتقر إلى البنى التحتية الاقتصادية والتعليمية والمهنية المناسبة.
كان من السهل جداً تجنيدهم لهذه الأيديولوجية، وكانت طريقة عيشهم على أي حال تقليدية جدًا وأكثر دينية بكثير من طريقة عيش اليهود العلمانيين.
وهكذا أصبحوا قوة هائلة، وقد رأينا ذلك بالفعل في الانتخابات خلال فترة جائحة كورونا. لكن ذروة تأثيرهم جاءت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، عندما قرر نتنياهو، بكل مشاكله، أن يتحالف مع ائتلاف "دولة يهوذا" ذاك وكان مستعداً لمنحهم كل ما يريدون من أجل البقاء في السلطة.
عنى ذلك منحهم وزارة الأمن الداخلي، أي ما يعادل وزارة الأمن الداخلي في أميركا، ومناصب قوية في وزارة الدفاع ووزارة المالية، لكن الأهم من ذلك، كما أعتقد، كان السماح لهم باحتلال مناصب رفيعة ومهمة في الشرطة، وفي الجيش وفي أجهزة الخدمة السرية.
وهكذا، لديهم الآن سيطرة قوية جداً على الدولة الإسرائيلية بالكامل، وبهذا أعني أن الدولة التي يتطلعون إليها، والتي أسميها "دولة يهوذا"، أخذت تبتلع تدريجياً دولة إسرائيل.
 
كريس هيدجز: هؤلاء هم المزراحيم، كما يُطلق عليهم في إسرائيل، وكان لديهم دائماً... كان هناك دائمًا توتر مع الأشكناز، اليهود المولودين في أوروبا الذين سيطروا على إسرائيل، لنقل حتى الثمانينيات؛ حتى مع أن عائلة نتنياهو نفسه هي، بطبيعة الحال، من بولندا. كان ما رأيتَه نوعاً من... أفي شلام كتب عن ذلك جيداً في مذكراته، ما هو... أظن أنه يسمى "ثلاثة عوالم"، ذلك التوتر، ذلك النوع الفطري من العنصرية.
أعني، ذكرتَ هذا في كتابك، ومن المدهش أن تلك المجموعات، التي جاء العديد منها... كانوا يهوداً عرباً، أو كما قلتَ، جاؤوا من المغرب أو إثيوبيا أو غيرها، وعاملهم الأشكناز بشكل سيئ. ومن المدهش أنهم أصبحوا القاعدة الجديدة للسلطة، لأنهم بالطبع كانوا -لا أريد أن أسميهم مواطنين من الدرجة الثانية- لكنهم بالتأكيد، بالنسبة للعديد من القادة الأشكناز، كانوا نوعًا من الإحراج.
 
إيلان بابيه: بالتأكيد. هذه قصة مأساوية، وأنت محق. صديقي أفي كتب عن ذلك جيداً في كتابه "ثلاثة عوالم". لقد جُلبوا، أعني ليس هم شخصياً، وإنما أجدادهم كما ينبغي القول، إلى إسرائيل في أوائل الخمسينيات، لأن الحركة الصهيونية -أو دولة إسرائيل الجديدة- فشلت في إقناع ملايين اليهود الذين يعيشون في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأجزاء من أوروبا بالهجرة إلى إسرائيل.
ومع الكثير من التردّد، قرّرت القيادة الصهيونية جلب أناس كانوا يعتبرونهم "يهودًا عربًا"، أي أنهم لم يكونوا يهودًا فقط، بل كانوا عربًا أيضًا. لكنهم عكفوا، بمساعدة مستشاريهم الأكاديميين، على ما وصفه أحدهم بعملية "نزع العروبة من اليهود العرب"، أي تحويلهم إلى يهود أوروبيين.
وكان أحد أفضل السبل لليهودي العربي لكي يُقبَل على قدم المساواة مع اليهودي الأوروبي هو أن يُظهر كراهية وعنصرية تجاه العرب -وفي الحقيقة تجاه هويته هو نفسه. وقد خلق هذا بنيةً نفسيةً وعقلية مضطربة للغاية، إلى جانب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي وجدوا أنفسهم فيها لأنهم دُفعوا إلى الهوامش الجغرافية والاجتماعية للمجتمع.
والآن، ثمة شيء آخر حدث لأن الحكومات لم تتعامل مع قضايا الرفاه الاجتماعي والمشكلات الاقتصادية. دخلت الجماعات الدينية لتحل محلّ الحكومة، واكتسبت تأثيرًا كبيرًا على الجيل الشاب. وهكذا لم يقتصر الأمر على وضع "المزراحيم" (اليهود الشرقيين) مقابل "الأشكناز"، بل أيضًا تكوين جيل كامل من الإسرائيليين الشباب الذين مروا بما يمكن وصفه بأنه نظام تعليمي "قومي ديني" بدلًا من أن يكون "علمانيًا ديمقراطيًا"، نظام يُخرّج أناسًا عنصريين، ثيوقراطيين في نظرتهم إلى الديمقراطية، وحقوق الإنسان والحقوق المدنية، ومؤمنين بشدة بالحلم الصهيوني.
بعض هؤلاء الشبان رأيناهم في الصور الذاتية (السيلفي) التي صوّروها بأنفسهم لأنفسهم أثناء ارتكابهم إبادة جماعية في غزة، ومن السهل جدًا تمييز اللغة التي يستخدمونها؛ لغة الكراهية والعنصرية. وللأسف، ليست هذه ظاهرة هامشية. إنها ظاهرة واسعة الانتشار وتشكل جزءًا من القاعدة الشعبية لما أسميه "دولة يهوذا".
 
كريس هيدجز: مثل اليمين المسيحي في الولايات المتحدة، ينظر هؤلاء إلى السياسة من خلال عدسة الكتاب المقدس، ويتحدثون عما يعنيه ذلك، خصوصًا في ما يتعلق بهذه الحملة لهدم المسجد الأقصى -أظن أن (وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار) بن غفير هو أحد قادة هذه الحملة- وإعادة بناء الهيكل الثاني.
كل ذلك، بطبيعة الحال، أسطورة. لا أدري. هل نعرف حقًا أين كانت اليهودية وأين كانت السامرة؟ لا أدري. ولكن، مثل اليمين المسيحي، فجأة أصبحت السياسة تمر بمصفاة هذه الأسطورة التوراتية.
 
إيلان بابِه: الأمر بالتأكيد كذلك، وله -كما هو الحال مع الصهاينة المسيحيين- جانب شبه علمي. بالقرب من "حائط المبكى" في القدس، أي بالقرب من الحرم الشريف حيث يوجد المسجد الأقصى، هناك ما يُسمّى "معهد بناء الهيكل الثالث"، الذي يُفترض أنه معهد أكاديمي يبحث في تاريخ الهياكل في الأزمنة القديمة، ويبني نماذج للهيكل الثالث في المستقبل. وهذا جزء من...
 
كريس هيدجز: اسمح لي أن أوقفك لحظة. كان الرومان هم الذين دمّروا الهيكل اليهودي، أليس ذلك في سنة 70 للميلاد؟ هل هذا التاريخ صحيح؟
 
إيلان بابِه: نعم، سنة 70 ميلادية.
 
كريس هيدجز: ثم بطبيعة الحال، طردوا اليهود من القدس. كان ذلك بعد... هل كانت "ثورة بار كوخبا"؟ (1) وظلت الفكرة شائعة منذ ذلك الحين بين الصهاينة المتدينين. والآن لدينا المسجد الأقصى، وأظن أن هذا هو الموضع الذي يُعتقد أن النبي محمد عرج منه إلى السماء. إنه واحد من أقدس المواقع في الإسلام، ويُصنّف عادة في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية، لكنه بالغ الأهمية، والفكرة الآن هي هدمه، وهو ما سيشعل، بطبيعة الحال، غضب معظم العالم الإسلامي.
 
إيلان بابِيه: نعم. إحدى سمات هذه الرؤية المسيانية هي بالفعل استبدال المسجدين الموجودين على جبل الهيكل ببناء الهيكل الثالث. لكنّ هناك جانبًا آخر في هذه الرؤية التبشيرية، هو السعي إلى إنشاء -أو إعادة إنشاء- "مملكة داود وسليمان". وليس الأمر أن هناك خريطة واضحة في الكتاب المقدس، ليست هناك خرائط. لكن لديهم جغرافيا معيّنة في الذهن تمتد إلى ما هو أبعد بكثير من فلسطين التاريخية التي هي إسرائيل والأراضي المحتلة، لتشمل الأردن وسورية ولبنان.
الآن، في الوقت الحالي، يبدو هذا جنونيًا تمامًا، وسيناريو غير عملي على الإطلاق، أو حتى غير ممكن أو محتمل. لكن ما أود قوله هو أنه، على الرغم من أنني لا أظن أنهم سيستطيعون تحقيق هذا التوسع الجغرافي، فإنني لست متأكدًا من أنهم لن يحاولوه. وهذا بحد ذاته هو نوع من السلوك الاستراتيجي غير العقلاني والمستقبلي، والذي أعتقد أنه سيسهم في تفكك إسرائيل في المستقبل الأبعد.
 
*كريس هيدجز‏‏ Chris Hedges: صحفي حائز على جائزة بوليتزر. كان مراسلاً أجنبيًا لمدة خمسة عشر عاما ‏‏لصحيفة "نيويورك تايمز"، ‏‏حيث شغل منصب رئيس مكتب الشرق الأوسط ورئيس مكتب البلقان للصحيفة. عمل سابقًا مراسلاً أجنبيًا لصحف "ذا دالاس مورنينغ نيوز" و"كرستيان سينس مونيتور" و"الراديو الوطني"، وهو مضيف برنامج ‏‏"تقرير كريس هيدجز". حصل على جائزة منظمة العفو الدولية العالمية للصحافة في مجال حقوق الإنسان للعام 2002. يحمل درجة الماجستير في اللاهوت من كلية اللاهوت بجامعة هارفارد، وهو مؤلف الكتب الأكثر مبيعًا: "الفاشيون الأميركيون: اليمين المسيحي والحرب على أميركا"‏‏؛ "‏‏إمبراطورية الوهم: نهاية محو الأمية وانتصار المشهد". وكان أحد المتأهلين للتصفيات النهائية لدائرة نقاد الكتاب الوطنية عن كتابه "‏‏الحرب قوة تعطينا معنى". عمل بالتدريس في جامعة كولومبيا وجامعة نيويورك وجامعة برينستون وجامعة تورنتو.‏
 
*نشر هذا الحوار تحت عنوان: Is Israel ‘On the Brink?’
هامش المترجم:
(1) ثورة بار كوخبا: حسب اللاهوت كانت انتفاضة يهودية كبرى ضد الإمبراطورية الرومانية وقعت بين العامين 132 و135 ميلادية في إقليم يهودا (فلسطين التاريخية). قادها شمعون بار كوخبا، الذي اعتبره بعض اليهود آنذاك المسيح المنتظر، وسعى إلى إقامة دولة يهودية مستقلة. في البداية حقق المتمردون نجاحات مؤقتة، لكن الرومان قمعوا الثورة بعنف شديد، فدمروا القرى والمدن وقتلوا مئات الآلاف من اليهود، ما أدى إلى نهاية الوجود اليهودي في فلسطين.