عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Jul-2025

حينما تتحول الكماليات لضرورات.. "السوشال ميديا" تغير أولويات الشراء

 الغد- رشا كناكرية

 تعيش آلاء (23 عاما) حالة من القلق والتفكير المستمر في كل مرة ترغب فيها بنشر مجموعة صور لها عبر حسابها على منصة "إنستغرام" هذا التردد من ألا تنال الصور إعجاب متابعيها، سواء من حيث مظهرها أو ما ترتديه من ملابس.
 
 
وتعترف آلاء بأنها تولي اهتماما مبالغا فيه لما قد يقوله الآخرون عن صورها، لا سيما إطلالتها وملابسها، لذا تحرص دائما على ألا تكرر ارتداء القطعة ذاتها مرتين، وتقول مبررة ذلك: "أكيد ما بصير يشوفوني بنفس الملابس مرتين".
 
وتوضح آلاء أنها، رغم العبء المادي الذي تتحمله شهريا لشراء ملابس جديدة، لا ترغب بأن تهتز صورتها على مواقع التواصل الاجتماعي. بل ترى أن ذلك يعزز من ثقتها بنفسها ويجعلها تبدو أكثر جاذبية في نظر الآخرين.
وحال آلاء لا يختلف كثيرا عن العديد من مستخدمي منصات التواصل، حيث أصبح التفاعل والاهتمام من المتابعين والأصدقاء مطلبا أساسيا، وبات المظهر الخارجي وما يرتديه الشخص جزءا لا يتجزأ من صورته الرقمية. ومع اتساع هذه المنصات وتنوع جمهورها، تصاعد الضغط على الأفراد لربط مظهرهم بقيمتهم الاجتماعية، ما جعل الثياب والمظهر وسيلة لتعزيز الثقة بالنفس عبر مواقع التواصل.
 زيادة الإقبال الشرائي
في عالم تغزوه منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه المنصات اليوم الوجهة الأولى التي يقصدها الأفراد لمشاركة تفاصيل يومهم ونشاطاتهم المختلفة. وأصبح ما يرتدونه من ثياب محط أنظار المتابعين ورواد هذه المنصات.
وقد أسهم هذا الواقع في زيادة الإقبال الشرائي، إذ أثرت السوشال ميديا على العمليات الشرائية للأفراد، وضاعفت من معدلات الاستهلاك، ليجد الفرد نفسه عالقا في دوامة النمط الاستهلاكي. ومن جهة أخرى، انعكس هذا التأثير على نفسية الفرد، وعلى نظرته لذاته وثقته بنفسه.
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى أن السوشال ميديا باتت من أبرز المؤثرات في حياة الأفراد، وأصبحت المعبر الأساسي لتحديد اتجاهاتهم والتأثير على خياراتهم، بل وغدت مساحة لإظهار الميول والتفضيلات الشخصية، ما جعل من الشراء والتسوق محورا أساسيا من محاور التفاعل على هذه المنصات.
ويوضح عايش أن عمليات الشراء أصبحت، في كثير من الأحيان، غير محسوبة العواقب، وباتت جزءًا من الظهور الافتراضي اليومي للأفراد.
كما يبين أن هذه الظاهرة أصبحت تعكس "الأهمية النسبية" للأفراد على مواقع التواصل، ما أدى إلى إقبال مرضي في كثير من الحالات، على شراء الملابس، وأثر ذلك سلبا على السوق الحقيقي، الذي يعاني من حالة ركود ملحوظة.
ويشير إلى أن هذا التحول عزز من حجم التجارة الإلكترونية، وأوقع الكثيرين في حالة من عدم التوازن المالي، خصوصا أن غالبية المشتريات تتم عبر البطاقات الائتمانية وأدوات الدفع الرقمي.
أعباء وكلف متفاوتة
ووفقا لعايش، فإن الكثير من الأفراد يتحملون اليوم أعباء وكلفا متفاوتة، ومع ذلك لا يتوقفون عن الإنفاق، لأن التراجع في الشراء يعني تراجعا في الظهور والمنافسة والحضور على هذه المنصات، حتى بات بعضهم في حالة أشبه بالإدمان، تتطلب مزيدا من الإنفاق من أجل البقاء في دائرة الضوء الافتراضية.
ويؤكد عايش أن لهذه الظاهرة آثارا سلبية وخطيرة، قد تدفع بعضهم إلى الاكتئاب أو الانغلاق على الذات، وربما تؤدي لدى آخرين إلى تصرفات أكثر خطورة.
ووفقا لذلك، اثرت السوشال ميديا بشكل مباشر على عمليات الشراء، إذ بات كثير من هذا الإنفاق غير ضروري، لكنه مستمر، وأصبح مرتبطا أكثر بالظهور الاجتماعي وليس بالحاجة الفعلية. هذا التأثير ضاعف من النمط الاستهلاكي لدى الفرد، وحوله من الإنفاق على الاحتياجات العامة والضرورية، إلى الإنفاق على حاجات محددة مرتبطة بالصورة والانطباع، ما أثر بدوره على القدرة الشرائية لتلبية الاحتياجات الأساسية في العالم الحقيقي، وهي كثيرة ومتنوعة وتتطلب الانتباه والوعي بها.
ويشدد الخبير الاقتصادي حسام عايش على ضرورة أن يكون الفرد واعيا وذكيا في التعامل مع هذه المعادلة، وأن يسعى لتحقيق توازن بين احتياجاته الرقمية واحتياجاته الفعلية على أرض الواقع. كما يدعو إلى تقليل عدد الساعات التي يمضيها الشخص على منصات التواصل الاجتماعي، ووضع خطط بديلة للظهور الاجتماعي سواء في الحياة الواقعية أو عبر الفضاء الرقمي، على أن تكون هذه الخطط منسجمة مع إمكانياته الحقيقية وقدرته على الاستمرار دون استنزاف مادي.
ويؤكد عايش أهمية أن يقيم الفرد وضعه المالي بموضوعية، وأن يسأل نفسه ما إذا كان قادرا فعلا على مواصلة هذا النمط من الاستهلاك، وأن يدرك في الوقت نفسه أن العالم الحقيقي قد يكون أكثر جمالاً وإنسانية واستقرارا من العالم الافتراضي، حيث لا مجال للتوقف عن المتابعة والاستهلاك اللحظي لكل جديد.
ويحذر من أن فقدان التوازن المعرفي والعاطفي والنفسي قد يقود إلى خسائر مالية حقيقية، خاصة إذا كان الفرد يتعامل مع السوشال ميديا بشكل عشوائي، وينفق أمواله على أمور لا تعود عليه بأي فائدة حقيقية.
 الضغط النفسي غير المباشر
بدوره، يبين الاستشاري النفسي والمحاضر الدولي المعتمد يزيد موسى، أنه في ظل التوسع المتسارع لمنصات التواصل الاجتماعي، لم تعد الملابس مجرد وسيلة للتعبير عن الذات أو للراحة الشخصية، بل تحولت إلى رمز اجتماعي يعكس الصورة التي يراد إيصالها للعالم الرقمي.
ويوضح موسى أن هذا التحول أفرز نوعا جديدا من الضغط النفسي غير المباشر، خصوصا لدى فئة الشباب، حيث بات الظهور الرقمي يستلزم معايير جمالية وسلوكية تتجاوز الطبيعي، ما أدى إلى تغير جذري في أنماط الشراء، وأسلوب اللباس، والسلوكيات الفردية.
ومن الجانب النفسي، يشير موسى إلى وجود ثلاثة محاور رئيسية تستحق التوقف عندها. أولها: ما الدافع الداخلي للاهتمام برأي الآخرين في مظهرنا؟ ويبين أن الدافع الجوهري هنا يتمثل بما يعرف في علم النفس الاجتماعي بـ"الحاجة للقبول والانتماء" (Need to Belong).
فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، يسعى للتقدير والمكانة ضمن جماعته، ومع انتقال هذه الجماعات من الواقع إلى الفضاء الرقمي، أصبح عدد الإعجابات والتعليقات والانطباعات على المنصات مؤشرًا وهميا على القبول أو الرفض. وهذا ما يفعل داخل الفرد آلية المقارنة الاجتماعية (Social Comparison)، فيبدأ بقياس نفسه وفق معايير الآخرين، لا معاييره الذاتية.
  "كيف يراني الناس"؟
ويشير موسى إلى أن التعليقات السلبية، حتى وإن كانت عابرة أو ساخرة، قد تؤثر بعمق على الصورة الذاتية (Self-Image)، لا سيما لدى الأفراد الذين يعانون من هشاشة في احترام الذات أو اضطرابات في الهوية. وفي بعض الحالات، يبدأ الشخص بالربط بين "كيف يراني الناس" و"من أكون"، فيفقد القدرة على التمييز بين ذاته الحقيقية وذاته الرقمية.
هذا التوتر المزمن، بحسب موسى، قد يولد مشاعر مثل القلق، والاكتئاب أو اضطراب التشوه الجسدي (Body Dysmorphic Disorder)، خاصة عند من لديهم تجارب سابقة مع النقد أو التنمر. ويؤكد أن الوقاية تبدأ من الداخل، عبر تعزيز مفهوم القبول الذاتي (Self-Acceptance)، أي أن يدرك الفرد أن قيمته لا تختزل في صورة، أو قطعة ملابس، أو رأي عابر من شخص لا يعرفه.
ثانيًا، تقوية الهوية الشخصية المستقلة عن التقييمات الخارجية، وهو ما يتطلب عملا داخليا طويل المدى يشمل مراجعة المعتقدات الذاتية، وإعادة النظر في دوافع السلوك.
أما ثالثًا، فيكمن في تبنّي استخدام واع للسوشال ميديا، من خلال تقليل وقت التصفح، وفلترة الحسابات التي تغذي المقارنة، واختيار محتوى يعزز الصحة النفسية بدلا من أن يستنزفها.
ويختم موسى حديثه بالتأكيد على أننا نعيش في زمن بات فيه الضغط الرقمي يؤثر على الجسد والنفس معا، لكن حماية الذات تبدأ من وعي داخلي حقيقي بأن القيمة لا تُمنح من الخارج، بل تبنى من الداخل بثقة ووضوح وصوت ثابت لا تهزه أرقام الإعجابات.