عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    24-Nov-2025

مرحلة ما بعد تدويل غزة: إعادة رسم الجغرافيا الأمنية في المنطقة*د.عامر سبايلة

 الغد

مع إقرار مجلس الأمن لخطة الرئيس ترامب حول غزة، يكون ملف تدويل غزة قد دخل مرحلة جديدة، قد يكون أبرز عناوينها الإقرار الدولي بضرورة نزع سلاح القطاع، أي جعل غزة خالية من السلاح.
 
 
 وتعود هنا مسألة كيفية الوصول إلى هذه النقطة وتطبيقها في حال رفضت الفصائل المسلحة على الأرض، وعلى رأسها حركة حماس، القيام بذلك طوعا، ما يعني أن أي قوة دولية قادمة ستكون قوة فرض سلام، وأن مهمتها الأساسية ستكون نزع السلاح بالقوة.
وفي ظل المسافة الزمنية الفاصلة بين تشكيل القوة الدولية وتحديد مهامها وآليات تنفيذها، والانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، تسعى إسرائيل إلى استثمار هذا الفراغ عبر تنفيذ عمليات عسكرية تهدف إلى تصفية العناصر المسلحة، والوصول إلى الهدف الأكبر الذي عبّر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف كاتس، والمتمثل في تفجير أنفاق غزة.
 تدرك إسرائيل أن معضلة تشكيل القوة الدولية، ودورها على الأرض واحتمالية اشتباكها مع الفصائل لنزع السلاح، قد تخلق واقعا يدفع الجميع إلى عدم الاعتراض أو القبول الضمني بما تقوم به إسرائيل.
 وبذلك فإن الاتفاق قد منح إسرائيل في هذه المرحلة غطاء لعملياتها العسكرية، بما يتوافق مع الأهداف التي سعت إليها طوال فترة الصراع الحالي التي تجاوزت السنتين.
وفي الوقت نفسه، فإن التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية ولبنان يندرج في الإطار ذاته؛ عمليات استباقية تحت عنوان التأمين ونزع السلاح وتغيير الواقع على الأرض، وهي عمليات تتم تحت ذرائع أمنية، أي أن التحركات الأمنية تؤسس فعليا لواقع سياسي جديد ومختلف: من ضمّ أراضٍ، إلى تغيير شكل المناطق، وصناعة وقائع ميدانية تفرض نفسها لاحقا كأمر واقع على جميع الأطراف.
ويظهر هذا الأمر بصورة أكثر وضوحا في السياسة الإسرائيلية تجاه سورية، فافتراض أن زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن كانت ستشكّل ضمانة أميركية في مواجهة السياسات الإسرائيلية وطريقة تعامل إسرائيل مع الجغرافيا السورية هو افتراض خاطئ تماما.
 وقد ترجمت إسرائيل ذلك بشكل مباشر، سواء من خلال التأكيد على السيطرة على المناطق التي استحوذت عليها بعد سقوط النظام السوري، أو من خلال رمزية الجولة الإسرائيلية في الجنوب السوري التي ضمت رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع وقادة الأجهزة الأمنية. وهذا يؤكد أن نشوء خلافات مع الإدارة الأميركية يبدو أمرا مستبعدا في حال غلّفت إسرائيل خطواتها على الأرض بضرورات أمنية، فمسألة عدم تكرار سيناريو السابع من أكتوبر أصبحت الأساس الذي تبني عليه إسرائيل اليوم إعادة رسم جغرافيتها الأمنية وصياغة تحالفاتها السياسية، وهو ما يصعب أن يواجه معارضة أميركية حقيقية.
هذه التحركات الإسرائيلية على صعيد الجبهات المحاذية، من غزة إلى الضفة الغربية فسوريا ولبنان، مرشحة للاستمرار والتوسع لتشمل مناطق أوسع وفقا لهذه الرؤية، وهو ما تعتبره إسرائيل ضرورة ملحّة في هذه المرحلة، خصوصا مع رغبة الرئيس الأميركي في الانتقال إلى مراحل أكثر تقدما في رؤيته للسلام في الشرق الأوسط، والتي يسعى الرئيس ترامب إلى تسويقها وتعظيمها، وخاصة ما يتعلق منها باتفاقيات السلام، أي الاتفاقيات الإبراهيمية.
 فالرئيس ترامب، الذي يرى نفسه اليوم الرجل الذي استطاع وقف الحروب والأزمات، يريد الانتقال من وقف الحروب إلى صناعة السلام، ما يعني دفعه نحو تفعيل الاتفاقيات الإبراهيمية، وتوسيعها، وتهيئة الظروف للانتقال من المرحلة الثانية عبر الغطاء الدولي والقوة الدولية إلى التأسيس للسلام الإقليمي، وهو فعليا الهدف المقبل للرئيس ترامب.
إذن، فإن الأسابيع المقبلة التي ستشهد تشكيل القوة الدولية ووصولها وتحديد شكلها ودورها، قد تعني تصعيدا إسرائيليا على جبهات متعددة: غزة، والضفة الغربية، ولبنان الذي تلقى رسالة أميركية غير مسبوقة بإلغاء زيارة رئيس أركان الجيش كإجراء احتجاجي على عدم قيام المؤسسة العسكرية بما هو مطلوب في ملف سلاح حزب الله.
 على الرغم من إدراك الجميع أنّه لم يكن متوقعا من المؤسسة العسكرية اللبنانية أداء دور أكبر في هذه المرحلة، فإن هذه الرسالة توضح أن الأزمة عادت لتحمّل لبنان مسؤولية كبيرة، مع منح إسرائيل تصريحا وغطاء لتنفيذ الخطوات التي يعجز الآخرون عن القيام بها. وبعبارة أخرى، يعني ذلك الاستمرار في استهداف الحزب وقدراته وأفراده، وحتى مناطق نفوذه الجغرافي.