عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    05-Dec-2025

"أدباء وقضايا ومواقف" للباحث سلامة.. نافذة على الشعر المحلي والعربي

 الغد-عزيزة علي

 يفتح الباحث والكاتب زياد أحمد سلامة في كتابه "أدباء وقضايا ومواقف"، نافذة واسعة على تجارب عدد من أبرز الأصوات الشعرية المحلية والعربية، كاشفًا جوانب خفية من مسيرتهم الفكرية والشعرية، وتحولاتهم الوجدانية، وصلاتهم الوثيقة بقضايا الأمة وهمومها.
 
 
ويكتب سلامة في مقدمة كتابه، الصادر عن دار "الفرقان" للنشر والتوزيع، موضحًا مضمون العمل وبدايات فكرته، يقول "إن القلق الفكري في الأدب هو قضية يؤمن بها وترافقه دائمًا، فيحاكي من خلالها بعض رموز الإبداع العربي". ومن هذا المنطلق جاء هذا الكتاب، متضمنًا وقفات مع عدد من القضايا التي شغلت الأمة ورافقت مسيرتها.
وتناول سلامة في كتابه أحد عشر شاعرا وشاعرة واحدة، بدءًا بسيرة الأديب إبراهيم طوقان، الذي عايش الاحتلال البريطاني لفلسطين وما ارتُكب خلاله من جرائم، وكان هاجسه الأكبر هو الشهادة. ويقول طوقان في هذا السياق "فتنتني الشهادة، وكنت أحمل السلاح، وأجول مع المجاهدين، متألمًا من مشاكل الأمة، ومن صور السماسرة والخونة".
أما الشاعرة فدوى طوقان، فبفعل الاحتلال الصهيوني تحولت من فتاة منشغلة بهمومها الشخصية إلى شاعرة مقاومة بالكلمة، صاحبة نشاط لا يهدأ، تجوب البلدان، تلقي الشعر، وتحرك المشاعر. وقد دفع نشاطها هذا وزير الدفاع الصهيوني آنذاك، "موشيه دايان"، إلى القول "إن هذه الشاعرة لم يعد لها عمل إلا إشعال نار الحقد ضدنا، وهي لا تكف عن التجوال في البلاد، وإلقاء شعرها، وإثارة المشاعر.. إن هذا كله يجب أن يتوقف".
أما أحمد مطر، فقد حمل لافتاته وعبر من خلالها عن هموم الأمة، ووقف في وجه الاستبداد والطغيان والظلم والمفسدين، من دون أن تلين له قناة. فكان صوته شوكة في حلق الخارجين على خط سير هذه الأمة ومبادئها.
وفيما يتعلق بمحمود درويش، فقد كان صراع النفس والهاجس الفلسفي حول الموت، من أبرز سماته الفكرية والشعرية. 
أما تيسير سبول، الشاعر الجوال بين الفلسفة والدين، فقد انشغل بأسئلة عديدة، وبحث عن إجابات تقوده إلى اليقين، إلا أنّ شكه وقلقه الثقيل دفعاه في النهاية إلى إطلاق النار على نفسه، ليسقط قتيلا وهو لم يتجاوز الرابعة والثلاثين من عمره.
أما نزار قباني، شاعر المرأة، فيطرح المؤلف سؤالًا حول قضيته الأساسية: هل كانت المرأة وحدها موضوعه المركزي؟ أم أن هموم الأمة ومشاكلها كانت حاضرة أيضًا في شعره؟ فقد تناول نزار قباني قضايا كثيرة تمتد من فلسطين إلى الفساد والاستبداد، ومن قضايا المرأة والرجل إلى العادات والتقاليد.
ويأتي إبراهيم ناجي، شاعر "الأطلال"، الذي صاغ قصة حب رقيقة ومشاعر إنسانية نبيلة بلغة شعرية شفافة. وقد عبر ناجي عن تلك التجربة حين كتب عن الإنسان الذي يتحول إلى كائن عاشق تحرقه العاطفة، فيبكي حبه، ويلعن الأيام التي مضت، كما بكى القلبُ غربة الإسلام والمسلمين، وصرخ في وجه الواقع البائس.
أما الشاعر مصطفى وهبي التل "عرار"، فكان ثائرًا على الواقع، ساخرًا من أحوال الناس، ولا سيما المتدينين ومظاهرهم وتصرفاتهم التي رآها متناقضة أو زائفة.
وفيما يتعلق بالشاعر مصطفى سلامة، فقد ضاع معظم شعره، وما وصل منه قليل. وعلى قلته، حمل الشعر ما يكشف عن عمق اهتمامه بهموم فلسطين ومحنة شعبها. رفع نداءه للإنسان العربي محذرًا من إقامة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية، وأوصى باللاجئين، ونبه إلى عواقب النكبة، ودعا إلى الوحدة ورص الصفوف والوقوف في وجه العدو.
أما سيد قطب ونجيب محفوظ، فهما أديبان سلكا طريقين مختلفين، لكنهما التقيا في هدف واحد: البحث عن مفتاح لحل مشاكل الأمة. فالأول أُعدم بسبب آرائه الجذرية في معالجة قضايا الأمة، بينما حصل الثاني على جائزة نوبل بفضل موهبته وتميزه الأدبي وإبداعه الروائي. ومع ذلك، تبقى الأسئلة: أين كان موضع التقاء سيد قطب ونجيب محفوظ؟ وأين افترقا؟ وماذا كتب كل منهما عن الآخر؟.
ومن الشعراء الذين يتحدث عنهم المؤلف في هذا الكتاب، الروائي والشاعر تيسير السبول (1939–1973)، الباحث الدائم عن الحقيقة، صاحب "غربة مبكرة". حيث أجمع معارفه ودارسوه على أنه كان يمتلك شخصية قوية مؤثرة وجذابة؛ فهو "مثقف حساس، وفي، صادق، مرح، منطلق"، وفي الوقت ذاته كان ذا مزاج حزين وعصبي حاد. وتقول زوجته عنه "إنه لا ينفرد مع نفسه إلا حينما يكتب، أما في غير ذلك فتره دائمًا بين الأصدقاء.. كان يحب الناس كثيرًا".
وبحسب المؤلف، بدأ السبول محاولاته الشعرية الأولى وهو ما يزال طالبًا في المرحلة الثانوية في كلية الحسين بعمان، نحو العام 1955. ويروي صديق دراسته آنذاك، الدكتور منذر حدادين، أن تيسير كتب قصيدة مبكرة بعنوان "إلى هاجرة"، وقد نشرها حدادين في جريدة الهلال الأردنية.
وفاز السبول بجائزة إذاعية عن قصيدة فقدت لاحقًا، وكان بيتها المشهور: "أضاعوني وأيَّ فتى أضاعوا"، وهو البيت الذي أعاد ترديده في روايته "أنت منذ اليوم"، في إشارة مبكرة إلى اعتداده بنفسه ووعيه بفرادته.
وعندما نشر قصيدته "بلا أمل" في مجلة الأديب العام 1959، بدت تلك بداية موفقة تشير إلى ولادة شاعر موهوب. ثم تعرف القراء إليه أكثر عندما نشر قصيدته الشهيرة "أحزان صحراوية" في مجلة الأفق الجديد، وكذلك حين نشر في مجلة الآداب البيروتية إلى جانب أسماء لامعة، مثل بدر شاكر السيّاب، وحسن النجمي، وخليل حاوي، ومحمد عفيفي مطر. ولهذا لا يبدو غريبًا ما قاله نزار قباني لاحقًا عن الحركة الأدبية الأردنية "يعجبني تيسير سبول.. ولا أقرأ لغيره من كُتاب الأردن".
ويتحدث المؤلف عن الشاعرة فدوى طوقان، التي لُقبت بـ"أمّ الشعر الفلسطيني"، "شاعرة السياسة والمقاومة"، التي توفيت العام 2003 في أحد مستشفيات نابلس عن عمر ناهز السادسة والثمانين عامًا. وقد اختارت أن تُكتب على قبرها قصيدتها الشهيرة: "كفاني أموت عليها وأدفن فيها/وتحت ثراها أذوب وأفني/وأبعث عشباً على أرضها/وأبعث زهرة/تعيث بها كف طفل نمته بلادي/كفاني أظل بحضن بلادي/تراباً،/وعشباً/زهرة".
وتحت عنوان "السعي إلى القمة" في سيرتها الذاتية "رحلة جبلية.. رحلة صعبة"، تستعيد طوقان موقف معلمات مدينتها نابلس في ثلاثينيات القرن الماضي من أشعارها التي كانت تكتبها وتنشرها آنذاك. فقد شككت المعلمات بقدرتها على كتابة الشعر، لأنها لم تكمل الصف الخامس الابتدائي، وظنَنْ أن أخاها إبراهيم هو من يكتب القصائد وتنشرها باسمه. ولم يصدقن أن ما كانت تنشره هو من إبداعها الخاص إلا بعد وفاة إبراهيم واستمرارها في الكتابة والنشر بالمستوى والقوة نفسيهما.
ويشير النص إلى أن معلمات المدينة ربما لم يلتفتن إليها التفاتًا حقيقيًا إلا بعد الاحتلال، وهو ما سبب لها ألمًا بالغًا في بداياتها. وتروي فدوى أن دواوينها الصادرة عن دار الآداب قبل العام 1967، ظلت معروضة في مكتبات نابلس حتى العام 1977، من دون أن تُباع.
ويقول الدكتور عادل الأسطة "أنا اشتريتُ ديوانَي "أمام الباب المغلق"، "أعطنا حبًّا"، من إحدى مكتبات نابلس العام 1977، وما أزال أحتفظ بهما". ويضيف أن هذا يعني أن فدوى لم تحظَ بانتشار واسع في مدينتها حتى مرحلة متأخرة، غير أنها كانت تحتل مكانة مميزة لدى المثقفين والشعراء ومتذوقي الأدب على مستوى أوسع.