عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Jul-2025

ترامب ونتنياهو.. تحالف المصير السياسي ودرع المواجهة مع إيران*د. حسن عبد الله الدعجة

 الغد

منذ وصوله إلى المشهد السياسي الأميركي، شكّل دونالد ترامب حالة استثنائية في علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل، وهي علاقة توصف تاريخيًا بالتحالف الاستراتيجي، لكنها تحوّلت في عهد ترامب إلى شراكة شخصية بينه وبين بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقد تعمّقت هذه العلاقة بشكل غير مسبوق، حتى بات ترامب أحد أكثر الرؤساء الأميركيين انحيازًا ودعمًا لنتنياهو، ليس فقط في قرارات السياسة الخارجية، بل أيضًا في قضايا ذات طابع داخلي إسرائيلي خالص، كالمحاكمات الجارية ضد نتنياهو أو الدعوات لانتخابات مبكرة. فما الذي يدفع ترامب إلى هذا المستوى من التورط في الشأن الإسرائيلي الداخلي؟ ولماذا يصر على الدفاع عن نتنياهو رغم الانتقادات والاتهامات التي تلاحقه؟
 
في المشهد الإسرائيلي الراهن، يواجه نتنياهو تحديات داخلية كبيرة تتعلق بمحاكمات فساد متعددة، إضافة إلى تصاعد التوتر داخل الائتلاف الحاكم، وخصوصًا مع الأحزاب الدينية التي عبّرت في أكثر من مناسبة عن رغبتها بحل الكنيست والدعوة لانتخابات مبكرة. هذه الأحزاب، رغم كونها شريكة في الحكومة، ترى أن الاستمرار تحت قيادة نتنياهو بات عبئًا سياسيًا بسبب قضايا الفساد والأداء الضعيف في بعض الملفات، مما دفعها مؤخرًا لطرح تصويت داخل الكنيست من أجل الذهاب إلى انتخابات جديدة.
في هذا السياق، جاء موقف ترامب داعمًا بشكل واضح لنتنياهو، حيث عبّر عن رفضه لأي محاولة لإزاحة نتنياهو عن السلطة، واعتبر أن استمراره ضروري لاستقرار إسرائيل ولمستقبلها الأمني والسياسي. بل إن الأغرب من ذلك هو ما تردد عن تدخلات من ترامب أو دائرته في مسألة محاكمة نتنياهو، حيث نُقل عنه – سواء عبر قنوات رسمية أو غير رسمية – أنه دعا إلى منحه عفوًا أو إنهاء الإجراءات القضائية ضده، بحجة أن هذه المحاكمات ذات دوافع سياسية، وأن نتنياهو يتعرض لحملة ظالمة من القضاء الإسرائيلي.
هذا التدخل يطرح تساؤلات عديدة، أهمها: ما مصلحة ترامب في بقاء نتنياهو؟ ولماذا يخاطر بسمعته السياسية من أجل زعيم أجنبي يواجه اتهامات جنائية؟
الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب النظر إلى طبيعة العلاقة بين الرجلين. منذ تولي ترامب الرئاسة عام 2017، عمل على تنفيذ أجندة غير مسبوقة في دعم إسرائيل، تمثلت في نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل، ودعم «صفقة القرن» التي اعتُبرت الأكثر انحيازًا في تاريخ الوساطة الأميركية. وكل هذه الإجراءات قوبلت بترحيب واحتفاء كبير من نتنياهو، الذي استخدمها في حملاته الانتخابية لتعزيز شعبيته الداخلية، مصورًا نفسه كقادر على جلب الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل.
في المقابل، وجد ترامب في نتنياهو حليفًا موثوقًا يعكس رؤيته للشرق الأوسط، ويساعده في كسب دعم قاعدة انتخابية محورية داخل الولايات المتحدة، وهي قاعدة المسيحيين الإنجيليين. وعلى الناس أن يدركوا أن العمود الفقري الحقيقي لدعم إسرائيل في أميركا ليس الجالية اليهودية، بل الإنجيليون، الذين يشكلون نحو 25 % من السكان مقابل أقل من 2 % لليهود الأميركيين. ولذلك، فإن ترامب ـ كما صرّح في أكثر من مناسبة ـ يعتبر التواصل مع الإنجيليين أكثر جدوى من استرضاء اليهود، لأنهم يشكلون قوة ضغط هائلة تدفع باتجاه سياسات أميركية تتماهى مع أجندة اليمين الإسرائيلي، وتعتبر دعم إسرائيل جزءًا من العقيدة الدينية المسيحية الصهيونية. 
هؤلاء يرون في نتنياهو الزعيم الأجدر بالحفاظ على «يهودية الدولة» والمضي قدمًا في سياسات التوسع والهيمنة. وبناءً عليه، فإن سقوط نتنياهو أو حتى محاكمته لا يمثل تهديدًا لترامب فحسب، بل تهديدًا لمنظومة سياسية وأيديولوجية نسجها بدقة خلال رئاسته، بحيث لا يمكن الوثوق بأن البدائل الإسرائيلية المحتملة ستحافظ على ذات مستوى الولاء أو ستسير في نفس النهج الصدامي تجاه إيران والفلسطينيين. ومن هنا، فإن الدفاع عن نتنياهو يصبح بالنسبة لترامب دفاعًا عن مشروع إقليمي أوسع، يُبقي إسرائيل في صدارة المواجهة مع طهران، ويعزز التحالفات اليمينية الشعبوية عالميًا.
الأكثر من ذلك، أن ترامب نفسه يواجه تحقيقات وملاحقات قانونية في الولايات المتحدة، سواء فيما يتعلق بمحاولة قلب نتائج الانتخابات، أو احتفاظه بوثائق سرية بعد خروجه من البيت الأبيض، أو قضايا مالية متعددة. وبالتالي، فإن دفاعه عن نتنياهو قد يُفهم ضمنيًا على أنه دفاع عن الذات. فهو يسعى إلى ترسيخ مبدأ أن محاكمة الزعماء السياسيين هي بالأساس عملية سياسية انتقائية، وليس مسارًا قضائيًا نزيهًا. وإذا تمكّن نتنياهو من الإفلات من المحاسبة أو الحصول على عفو، فإن ترامب سيجد في ذلك سابقة تعزز حجته أمام القضاء الأميركي والرأي العام المحلي.
أما من ناحية استراتيجية، فإن ترامب لا يرى في إسرائيل مجرد حليف تقليدي، بل يعتبرها امتدادًا لرؤيته السياسية العالمية القائمة على الانعزال عن المؤسسات الدولية، وتقويض النظام الليبرالي متعدد الأطراف، وتعزيز التحالفات الثنائية مع القادة الأقوياء الذين يشبهونه من حيث النمط السياسي والشخصية الصدامية. ونتنياهو بالنسبة له هو النسخة الإسرائيلية من هذا النموذج: زعيم يتمسك بالسلطة رغم الضغوط الداخلية والخارجية، ويواجه الإعلام والقضاء بشراسة، ويعتمد على قاعدة جماهيرية يمينية صلبة تتغذى على الشعور بالخطر والتهديد الوجودي. ومن هذا المنطلق، فإن دعم ترامب لنتنياهو لا يقتصر على القضايا الداخلية فحسب، بل يمتد إلى ملفات الأمن الإقليمي، وعلى رأسها المواجهة المفتوحة مع إيران. 
فترامب يرى أن التحالف مع نتنياهو ضروري لإدامة التصعيد ضد طهران واحتواء نفوذها في المنطقة، ولذلك فإن أي إضعاف لنتنياهو، سواء عبر الانتخابات أو المحاكمات، يُنظر إليه كضربة مباشرة لمحور الضغط على إيران وتهديد لاستراتيجية الردع التي تبناها ترامب خلال رئاسته.
كل هذه المعطيات تفسّر سبب مساندة ترامب لنتنياهو، بل وتدخله في قضايا داخلية كطلب العفو القضائي أو رفض انتخابات مبكرة قد تؤدي إلى إخراج نتنياهو من المشهد السياسي. إنها علاقة مصلحية عميقة، تتجاوز حدود البروتوكولات الدبلوماسية، وتمتد إلى تحالف أيديولوجي بين زعيمين يرى كل منهما في الآخر مرآة لذاته، وخط دفاع أول عن مستقبله السياسي والشخصي.
ورغم الانتقادات التي يواجهها ترامب بسبب هذا التورط، إلا أنه يواصل هذا النهج دون تراجع، مدفوعًا برغبة عارمة في العودة إلى البيت الأبيض، ورؤية عالم يتشكل وفق تصوراته الخاصة. وفي هذا العالم، لا مكان لمحاكمات الزعماء السياسيين، ولا مجال لانتخابات تُسقط الحلفاء، بل هناك فقط الولاء المتبادل، مهما كان الثمن.