غزة... من لم يصلها فليصل الآن*سلطان الحطاب
الراي
ينهض الغزيون من الركام، ليجدوا أن كل شيء من حولهم قد دمر، وأن أسباب الحياة منقطعة سوى الاصرار عليها وارادة العيش فيها، ولذا فانهم يستعملون ما بقي لديهم من طاقة الامساك بالحياة في فرح يحاولون به أن يمسحوا وجوههم من الغبار وجراح الحرب... وحرب الابادة التي اعلنتها اسرائيل لسنتين متصلتين.
لم يعرف العالم في تاريخه المدون قسوة كما عرفت غزة ولم يعرف الضمير العالمي عذاباً أقسى مما عذب به وهو يرى مذابح غزة على الهواء وعجز العالم ان يفعل شيئاً.
لم تكن غزة حماس ولكنها أخذت بذريعة ذلك لإرواء النفسية الصهيونية المريضة المتعطشة للقتل وذبح الأطفال.
ينهض الغزيون ويذهبون باتجاه الحياة التي تمسكوا بها كأبطال ضحوا من اجلها، فقد قاتلوا ليعيشوا، وتحملوا من أجل كرامة تحفظ لهم تاريخاً حتى وإن خسروا.
اليوم غزة بحاجة الى الحياة بحاجة الى سقاية شجرتها التي حاول العدو قطعها،
انتصرت غزة على التهجير واحتفظت بجذورها، رغم تكسير كل الاغصان واجتثاث الشجر والحجر.والبشر
غزة ستدفن شهداءها وتنهض، أنها بحاجة الى التقاط انفاسها، بحاجة الى الطعام والشراب والمأوى، ومواجهة الشتاء القادم، فمن لديه إحساس بانسانية غزة، ومعاناتها ، فليدفع بهذا الاتجاه.
غزة قدمت بما يكفي وهي ليست بحاجة الآن الى الشعر والثناء والمدح، بل الى البذل والعطاء، وعلى كل احرار العالم عرباً وغير عرب، أن يفتدوا انسانيتهم، ولو بشق تمرة، كما يقال، لتعود لغزة الحياة، وتبني لطيورها من أجيالها اعشاشا ولارضها نبتاً جديداً.
لا خوف على غزة، فقد صمدت بشكل اسطوري، ورفضت الاقتلاع والتهجير، وعاشت كل أشكال الألم والعذاب الذي فرض عليها، ولم يبق شبر في غزة الاّ ومشى عليه الغزي في اطول رحلة على طريق الالام بين الشمال والجنوب وعكس ذلك.
طيور غزة تعود الآن الى أعشاشها وأطفالها يخبئون ذكرياتهم ويتحدثون عنها تحت الركام، يبحثون عن كراساتهم المدرسية وألعابهم وألبوم صور العائلة ليستعيدوا الذاكرة.
لقد اثبت الغزيون أنهم أبطال، فرض عليهم الموت، فواجهوه وأسقطوه وفرضت عليهم المعاناة، فاخترقوها بصمودهم وامسكوا بكل صفات الشهادة والكرامة ولم يخصصوا ذراعاً من القماش الأبيض للاستسلام ، بل خصصوا كل ملابسهم لتكفين شهدائهم فقد نضبت غزة من كل شيء الاّ الأكفان.
ستذكر غزة من وقف معها وقد تتناسى الكثير، لكن سيبقى في ذهن أجيالها أن من وقفوا معها أرادوا الحياة لها، وسيعتز الأردنيون أنهم وقفوا مع غزة ما استطاعوا، وانهم بجانب الشقيق التوأم الذي كانوا يصلونه رغم الصعوبات والمعاناة، وإغلاق الطرق وانصراف العالم.فغزة تذكر الاردنيين وقيادتهم كثيرا من الفضل الذي لم يرتبط بالمنة
غزة قبلت التحدي وخرجت الى الحياة لتضمد جراحها وعلى الذين انتدبتهم غزة من ابنائها ليكونوا ذاكرتها أن يسجلوا كل لحظات الألم وان يدونوا كل اسماء الشهداء والأطفال والنساء والشيوخ الذي قضوا قصفاً وجوعاً وخوفاً، وإذا كان الاعداء لغزة قد ادعوا انهم جاؤها من الهولوكوست، دون ان يعتبروا من ذلك، فإن ما واجهته غزة كان الأعظم وقد رأه العالم وشهد عليه، وكان مهراً للكرامة والاستقلال وحجر أساس في بناء الدولة المستقلة الدولة.
غزة الآن ليست بحاجة الى المزايدة أو المناقصة، فقد عملت كل شيء، وقد أنكشف أمامها كل شيء، ولا يستطيع أحد أن يدعي وصلا بها دون أن ينسب لتضحياتها ويدافع عن بقائها.
لن تدخل غزة إلى العتاب، وليس من المناسب ذلك، وستترك للتاريخ أن يسجل ما الذي حدث بشواهد عليه.
دائماً كان الجرح الفلسطيني هو الأكبر، ودائماً كانت القضية هي الأعظم، ودائماً كان الشعب الفلسطيني أعظم وأكبر من كل قياداته التي معظمها مشي خلفه وليس امامه.
مجد غزة سيبقى وضريح هاشم بن عبد مناف سيكون شاهداً على مجزة التاريخ التي أصابت الضريح وأعادت قتل ساكنه.
كما سيبقى مسقط رأس الأمام الشافعي في غزة حيث عاش الامام وترك لغزة ابنته اسيا ولجوارها وللعالم مذهبه السمح.بعد ان كتب فيها شعرا محفوظا مازال يقرأ
غزة تحتضن شهداءها وتبحث عن الكثيرين منهم تحت الانقاض وهي تعد ابناءها وتعاود احصاءهم من غاب ومن حضر، وستخرج الى العالم ليرى العبرة ويعيش عذاب السكوت على المجزرة والابادة، وعل العالم أن يقول بصوت واحد، لن يكون ذلك مجدداً ابداً.
أجيال غزة بحاجة الى التحصين، والذين تأخروا عن مساعدة غزة، عليهم أن يصلوا الآن، لأن التاريخ لا يرحم.
سلامتك يا غزة وازرعي ما تبقى فيك من دماء لتزهر اجيالا تتذكر من أجل أمل بحياة كريمة باهظة الكلفة...
فسلام على غزة