عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Jul-2025

شاحر سيغال: "الإسرائيلي الكول" مجسدا

 الغد

إيتان نيخين* - (هآرتس بالعربي) 2025/7/20
 
مع تزايد إدراك الإسرائيليين لحجم الفظائع المرتكبة في غزة ودور "مؤسسة غزة الإنسانية" فيها، يواجه مالك المطاعم الشهير شاحَر سيغال انتقادات لاذعة في الأوساط الثقافية المعارضة للحرب في تل أبيب، وتعرّض لتوبيخ علني من قِبل شركائه في الحانة الرئيسية التي يملكها.
 
 
في السادس من تموز (يوليو)، أعلن شاحَر سيغال؛ رجل الأعمال ومالك سلسلة مطاعم شهيرة، بهدوء، استقالته من منصبه كمتحدث باسم "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، عبر منشور مقتضب نشره على تطبيق "إنستغرام"، جاء فيه: "لطالما كان عملي متجذرًا في الرغبة في دعم المتضررين من الحرب المستمرة. هذا الدور التطوعي كان مؤقتًا منذ بدايته، وقد انتهى الآن".
لكن لغة الاعتزال المتأنقة اصطدمت سريعًا بالواقع؛ لم تنجح في تبديد الغضب الشعبي المتصاعد ضد دوره في مشروع يزداد ارتباطه بمشاهد الموت والإبادة في قطاع غزة.
قبل ساعات من إعلان الاستقالة، كان أحد فروع سلسلة مطاعمه الشهيرة "ميزنون" في مدينة ملبورن الأسترالية، هدفًا لاحتجاج غاضب. وقد اقتحم محتجون غاضبون المطعم، وحطموا واجهاته وألقوا الطعام والكراسي على الأرض، احتجاجًا على علاقة سيغال بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهو ما أشعل لاحقًا دعوات إلى مقاطعة مطاعمه الأخرى التي يديرها أيضًا مع الشيف إيال شاني.
بينما أصبحت "مؤسسة غزة الإنسانية" مرادفًا للسمعة السيئة، بدأ شركاء سيغال التجاريون في إسرائيل يتلمّسون أصداء الفضيحة. في بار "تِيدر" الثقافي الشهير في تل أبيب، حيث يملك سيغال حصة، نُشر بيان على "إنستغرام" عبر عن "الدهشة" من انكشاف صلته بمنظمة وصفها القائمون على المكان بأنها "مشبوهة" -وهو وصف لا يفي بحقيقة دورها السيئ. وأوضح البيان أن "تيدر" لا تربطه علاقة مباشرة بـ"المؤسسة"، بل يعارض وجودها.
لكن البيان لم يتضمن قطعًا مباشرًا للعلاقات مع سيغال -ربما لأسباب تجارية معقدة. ومع ذلك، لم تتردد منظمة "ثقافة التضامن"، التي اتخذت من بار "تِيدر" مقرًا لنشاطها لسنوات، في الإعلان عن انسحابها الكامل من المكان بعد دقائق فقط من نشر البيان، مؤكدة أن الصورة العامة لسيغال لا يمكن فصلها عن تورطه في "مؤسسة غزة الإنسانية".
لم تعد الضغوط محصورة في ملبورن أو بين النشطاء؛ وحملة المقاطعة آخذة في التوسع. كما أن المشهد الثقافي في تل أبيب بدأ يشهد انقسامات علنية بشأنه. ولكن ثمة سؤال أكبر يكمن خلف ذلك كله: ما الذي دفع سيغال إلى الارتباط بمؤسسة مثيرة للجدل مثل "مؤسسة غزة الإنسانية"؟
اليوم، أصبح يُنظر إلى "المؤسسة"، التي روجت لنفسها كمبادرة إنسانية بدعم أميركي-إسرائيلي، باعتبارها أداة للتحكم والإبادة وليس للإغاثة. منذ بداية عملها، قامت باختزال شبكة تتكون من أكثر من 400 نقطة توزيع تابعة للأمم المتحدة إلى أربعة مراكز توزيع محصنة وذات طابع عسكري، والتي سرعان ما تحولت لاحقًا إلى "حقول قتل"، بحسب تقارير ميدانية. وكشف تحقيق أجرته صحيفة "هآرتس" أن جنودًا إسرائيليين تلقوا أوامر بإطلاق النار على مدنيين عزل بالقرب من تلك المواقع، من دون أن يُشكلوا تهديدًا فعليًا.
كانت العلامات التحذيرية قد ظهرت مبكرًا: استقال المدير التنفيذي للمؤسسة قبيل انطلاق نشاطها، وشارك مستشارون أميركيون في وضع مخططات ترانسفيرية، في حين تسابق المستثمرون إلى اقتناص فرص الربح من عمليات النقل والإمداد. وهكذا، لم تعد "مؤسسة غزة الإنسانية" تبدو كجهة إغاثة، بل كذراع لتنفيذ سياسات التجويع والتهجير والمحو المنهجي في غزة.
على مدار العقد الماضي، أسهم سيغال وشريكه، إيال شاني، في تشكيل الصورة العالمية لـ"الإسرائيلي الكول"، من خلال تسويق جمالية "الأكل الشرق أوسطي الموثوق" في شكل أكثر الأطعمة بساطة، وعلى رأسها خبز البيتا المتواضع الذي أعيد تخيله ليكون بمثابة إعلان ثقافي. وكانت أطباقه تروي سردية الانتماء للأرض، وطقوس الأكل باليدين، وصخب الموسيقا والمزاج العام، في شكل مقتبس من مطابخ الطبقة العاملة البرجوازية، موجه خصيصًا لاقتصاد تل أبيب القائم على التقنية العالية و"إنستغرام".
كما أعاد سيغال إحياء شركة "أتا" الإسرائيلية للملابس العملية من إنتاج "أزرق-أبيض"، محولًا إياها إلى علامة تجارية باهظة تروج للحنين نفسه البسيط والخشونة المصطنعة "التسابارية" التي ميزت مطاعمه. لكن ما كُشف مؤخرًا عن صلاته بـ"مؤسسة غزة الإنسانية" يكشف إلى أي حد كانت تلك "الأصالة" مزيفة ومصمَّمة بعناية لتبدو كذلك.
اليوم، لا تُقرأ استقالة سيغال كفعل نابع من صحوة الضمير، بل كمناورة علاقات عامة لإخماد الحريق وصرف الأنظار عن حقيقة مشاريعه. لكنه فشل في قراءة اللحظة: توقيتًا ونبرة. وبينما يبدأ المزيد من الإسرائيليين في استيعاب حجم الفظائع في غزة، تتضاءل الشهية لنسخة سيغال من "الأصالة المعلبة" -حتى في حتى داخل إسرائيل نفسها.
وقد يكتشف كثيرون قريبًا أن سيغال ليس انحرافًا عن صورة إسرائيل المعاصرة، وإنما انعكاسها الأكثر صدقًا.
 
*إيتان نيخين Etan Nechin: صحفي وكاتب مقالات بارز في النسخة الإنجليزية من صحيفة "هآرتس"، معروف بتناوله قضايا مهمة تتعلق بالنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي وتحليله السياسي والثقافي بأسلوب نقدي معمّق. تظهر مقالاته باستمرار في منافذ إعلامية دولية، مثل "نيويورك تايمز" و"الإندبندنت" و"مجلة تايم"؛ حيث يسهم بتقديم رؤية متوازنة حول التوترات الإسرائيلية الفلسطينية، ويتابع أهم تطورات المنطقة في ظل النزاعات والصراعات الراهنة.