الدستور -
لم يكن حادث التسمم الغذائي الأخير الذي أصاب عددّا كبيرا من الطلبة بعد تناولهم «ساندويتشات المقاصف»مجرد خبر عابر في وسائل الإعلام. بل هو جرس إنذار يعيد فتح ملف المقاصف المدرسية الذي ما زال معلقًا بين وعود الرقابة وواقع يعيشه الطلبة يوميًا.
فالمدرسة التي يُفترض أن تكون بيئة آمنة للتعلّم والنمو، تتحول أحيانًا إلى مكان يهدد صحة الصغار بأطعمة تُباع داخل أسوارها، لا تراعي شروط النظافة ولا أبسط معايير السلامة الغذائية
المقاصف المدرسية وُجدت في الأصل لتوفير وجبات سريعة للطلبة الذين يقضون ساعات طويلة في المدرسة. لكن السؤال: هل تتحول هذه المقاصف إلى خدمة حقيقية تصب في مصلحة الأطفال، أم أنها مجرد «مشروع تجاري» يبحث عن الربح على حساب صحتهم؟
الكثير من الطلبة يقبلون على شراء الساندويتشات والعصائر الرخيصة والمغرية بطعمها، دون أن يدركوا أنها قد تكون مليئة بالدهون والمواد الحافظة، أو معدّة في ظروف غير صحية.
المفارقة المؤلمة أن بعض الطلبة يدخلون المدرسة بعلبة طعام منزلية (لانش بوكس) مرتبة، فيها سندويش صحي وقطعة فاكهة وزجاجة ماء، بينما آخرون لا يملكون سوى ثمن ساندويش فلافل من المقصف.
الفارق ليس في ذوق الطفل، بل في إمكانيات الأهل، ودرجة وعيهم، وحتى في نوع المدرسة: ففي المدارس الخاصة غالبًا ما تفرض الإدارة شروطًا على نوعية الأطعمة، وتراقب المقصف بشكل أكبر، بينما يترك الأمر في المدارس الحكومية لميزانية محدودة ورقابة متقطعة.
الرقابة على المقاصف ليست رفاهية، بل مسؤولية تقع على عاتق جهات عدة: إدارات المدارس، وزارات التربية والصحة، وحتى البلديات. ومع ذلك، غالبًا ما نسمع عن جولات تفتيش شكلية لا تترك أثرًا، وكأن حياة الطلبة يمكن أن تُختزل في تقرير يُرفع على الورق.
هل يكفي أن تُغلق المقاصف المخالفة بعد وقوع الكارثة؟ أين كانت الرقابة قبل أن يدخل التسمم إلى بطون الصغار؟
لا يمكن إعفاء الأسر من المسؤولية. فالأهل، بحجة الانشغال أو ضيق الحال، يرسلون أبناءهم إلى المدرسة دون تجهيز وجبة منزلية صحية، فيجد الطفل نفسه مجبرًا على اللجوء إلى المقصف، ليشتري ما هو متاح، لا ما هو مناسب.
التسمم الغذائي الأخير ليس حالة فردية، بل مرآة لواقع يفرض علينا التفكير جديًا: كيف نحمي الطلبة من مخاطر الطعام الرديء داخل مدارسهم؟
هل حان الوقت لوضع أنظمة صارمة تحدد قائمة الأطعمة المسموح بيعها في المقاصف في المدارس الحكومية كما هو معمول به في لوائح المدارس الخاصة، والتي لا يجب ان تغفل عنها هي أيضا الرقابة والتفتيش.
صحة الطلبة ليست خيارًا، بل أولوية. وترك المقاصف بلا رقابة حقيقية يعني فتح الباب أمام كوارث أكبر، تبدأ بساندويش فلافل ملوث... ولا نعرف أين تنتهي.