الشرق الاوسط -
الشرق الاوسط:- الصحافة الحزبية في مصر هي الوجه الآخر من عملة الصحافة القومية الرسمية والتي نشط الهجوم عليها واتهامها بالضعف المهني، فهي قد ولدت في ولادة عسيرة عام 1977 بعد منعها لمدة 15 عاما مع قيام ثورة يوليو 1952.
حالة عدد من الصحف الحزبية تتشابه مع الصحف القومية التي تمجد الحكومة، فنجد هذه الصحافة الحزبية تمجد قيادة الحزب، بل ويتحول كلامها الى مانشيتات عريضة بطول الصفحة الأولى.
أمراض الصحافة الحزبية في مصر كثيرة، لكن مشاكلها اكثر، فهي تعاني من ضعف التوزيع، ومن قلة الإعلانات، وضعف التمويل، كما أن بعضها تحول للهجوم من اجل الهجوم في ظن منها أن هذا هو السبيل الوحيد لجذب القارئ، كما نجد أن بعض الأحزاب تؤجر رخص صحفها لجماعات أخرى، بعضها يصدر جريدة خاصة بالخرافات، ونجد أيضا جريدتين تصدران باسم واحد وتصدران عن حزب الغد بسبب التنازع على الرئاسة فيه، وتخضع في النهاية الصحيفة لسياسة وعلاقات وتربيطات رئيس الحزب ولا يجد القارئ موضوعا في اجندتها.
جريدة الكرامة هي إحدى الجرائد الحزبية الوليدة وقد صدرت عن حزب الكرامة ـ تحت التأسيس ـ ويقول رئيس تحريرها جمال فهمي أن أحد أهم مشاكل الصحف الحزبية إنها لا تعتمد على نشاطها الاقتصادي وإنما على الدعم الحزبي في الصورة المالية وهو ما يؤدي الى قيود حزبية فتتحول الى قيود حقيقية.
طبيعة الصحافة الحزبية انتهى وقتها في رأي جمال وهو يقول: قديما عندما كان هناك نوعان فقط من الصحافة، اما حكومية أو معارضة، كانت هناك أهمية للصحف الحزبية وكان هناك إمكانية أن تأخذ مساحة من اهتمام القراء، الان لم يعد هناك اهتمام بها لان السوق فتح للصحف الخاصة، وبدأت تظهر عيوب الصحف الحزبية، واغلب الأحزاب في العالم المتقدم ـ والكلام مازال لجمال ـ لا تصدر جرائد، هناك جرائد قريبة من أحزاب ولكن لها استقلاليتها لان المساحة الحزبية ضيقة وهذا لا يتناسب مع مهنة الصحافة، وحتى تعبر عن فكرتك بشكل جيد أنت تحتاج أن تبتعد عن الحزب الذي يعبر عن أفكارك، فحزب العمال البريطاني لو اصدر جريدة فستعبر عنه بصورة اقل من الجارديان والاندبندبنت المحسوبتين عليه، وقديما كان هذا موجودا في مصر وكانت صحيفة المصري قريبة من حزب الوفد، لكنها ليست ملكا له.
تحول الأحزاب الى مجرد صحف صحيح في رأي جمال ويقول: ان لذلك أسبابا كثيرة معقدة، أهمها غياب الديمقراطية داخل هذه الأحزاب وهو ما حولها الى قاعات مغلقة، لا علاقة لها بالشارع، وهو ما نراه في جريدة الوفد بعد حدوث انشقاقات بالحزب، مع أن هذه الأحزاب لو كانت قريبة من الشارع فلن يحدث هذا، فشارون وهو رأس الحكومة انشق وقرر تأسيس حزب جديد.
ومن أسباب تحول الأحزاب الى جرائد في رأي فهمي أن الأحزاب لم يعد لديها شيء له قيمة سوى جرائدها، فبالتالي يكون كل اهتمامها منصبا على الجريدة، واجتماعاتها من اجلها، وتبدأ في تضييق الخناق عليها والاختلاف حولها.
لا تستطيع الصحف الحزبية في رأي جمال منافسة الجرائد القومية لسبب واحد هو انه لا توجد صحف قومية بمعنى الكلمة، وإنما توجد نشرات حزبية تقدم دعاية للحكومة، رغم انها تصدر عن مؤسسات كبيرة في مطبوعات «كبيرة وثقيلة» ولكن لا يمكن تطبيق المعايير المهنية عليها فلا يعقل أن تمتلئ القاهرة بالمظاهرات، ولا نجد في اليوم التالي خبرا في هذه الجرائد عن المظاهرات، وهو نفس الأمر بصورة مختلفة في الجرائد الحزبية، فبمجرد أن يفتح رئيس الحزب فمه حتى يتحول كلامه الى مانشيتات على حساب أخبار حقيقية أخرى.
الصحافة الحزبية تسير الى طريق مسدود في اعتقاد جمال بعد أن بدأت تقلد الصحافة القومية واصبح رئيس الحزب يساوي رئيس الدولة في الجريدة، فالصحف القومية يهمها قارئ واحد هو رئيس الدولة، والصحف الحزبية يهمها قارئ واحد هو رئيس الحزب اما القراء فلهم الله.
وبحسب نبيل زكي رئيس تحرير جريدة الأهالي الناطقة بلسان حزب التجمع اليساري فإن هناك فهما خاطئا للصحيفة الحزبية في مصر والتي يجب أن تعبر عن الناس، وليس من الضروري أن يكون كل ما تنشره متفقا بالضرورة مع رأي الحزب فالصحيفة الحزبية الناجحة يجب أن يكون فيها هامش استقلالية.
ومشكلة الصحف الحزبية في رأي نبيل تكمن في الإمكانات المادية لان رجال الاعمال يفضلون الذهاب لمطبوعات الحزب الوطني الحاكم، بالإضافة الى أن الأحزاب ممنوعة من أي نشاط اقتصادي يدر عليها ربحا حسب قانون الأحزاب، والإعلانات مقيدة والقطاع الخاص يخاف أن يعلن لديها بالإضافة الى ارتفاع تكلفة الورق والطباعة فطن الورق تجاوز سعره الـ 5000 جنيه بعد أن كان بـ1500 جنيه فقط، كما اننا في التوزيع نذهب لشركة التوزيع التي «تضرب توزيعنا» فإذا كان هناك مركز توزيع يبيع 500 نسخة تعطيه 50 نسخة فقط، وإذا كان هناك مركز يبيع 50 فقط تعطيه 500 نسخة وهو ما يساهم في ضعف التوزيع.
من الصحف الحزبية المتميزة جريدة العربي والتي تصدر عن الحزب الناصري ويعتبر عبد الله السناوي رئيس تحريرها أن تجربة الجريدة متفردة في تاريخ الصحافة الحزبية المصرية منذ أواخر السبعينات، فهناك مساحة غير مسبوقة من الحرية، ويشير الى أن هناك مساحة بين الجريدة والحزب ولكن هناك في نفس الوقت تفاهم واضح بين رئيس الحزب والجريدة وفي كثير من الحالات سبقت الجريدة الحزب بخطوة أو بخطوتين، مثل موقفها من الاخوان في الصراع التاريخي الشهير بين الإخوان والناصريين، وفي مسألة توريث الحكم والتحول الديمقراطي وغير ذلك وهو ما ساعد على تطور الخطاب الحزبي والخطاب الديمقراطي والخطاب الناصري إجمالا، وقد سبقت الجريدة أي جريدة أخرى في التحذير من فكرة التوريث منذ خمس سنوات وهو ليس خطا وصفه رئيس الحزب وانما رأي اتفق عليه مفكرو ومثقفو مصر وحظي بقبول عام في الشارع ونتيجة لهذا تطور الخطاب الحزبي، واصبح يطالب بمواقف اكثر تشددا، وهو ما أدى الى الاعتداء على ضياء الدين داود رئيس الحزب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وقيل أن السبب في ذلك هو حمايته لجريدة العربي وسماحه لها بانتقاد مؤسسة الرئاسة.
لكن مشاكل الجرائد الحزبية في رأي السناوي تكمن في تحولها الى بوق إعلامي أو نشرة سياسية لأحزابها دون الاهتمام بالقارئ واشتداد قبضة رئيس الحزب عليها.
ما تعاني منه هذه الجرائد كما يقول السناوي هو التضييق في الإعلانات والتضييق في الفوز بسبق صحفي، وفي مصادر المعلومات، وفي الطباعة والتوزيع وهذا كله نتيجة طبيعية للعبة السياسية في مصر التي لا تعرف صحافة الرأي الآخر.
ويطالب السناوي الأحزاب المصرية كلها بمراجعة نفسها حتى تستطيع إصدار جرائد جيدة قادرة على الاستقلالية، بدلا من أن تتحول هذه الجرائد الى دكاكين لرؤساء أحزابها.
وتقول الدكتورة ليلى عبد المجيد أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة أن الصحافة الحزبية في مصر بدأت عام 1977 مع صدور جريدة الأحرار بعد منع هذا النوع من الصحف عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952 وهو ما أحدث حالة من الحراك، فقبل ذلك لم يكن لدينا سوى صحف لها طابع رسمي ولا توجد منافسة او تنوع حتى بعد إلغاء الرقابة سنة 1974 .. ظلت نفس النمطية موجودة لان الصحف كانت لا تزال مملوكة للاتحاد الاشتراكي، لكن مع ظهور الصحف الحزبية بدأت تطرح وجهة النظر الأخرى التي تكشف الفساد وتتحدث بلسان البسطاء وحقوق الفلاحين والعمال، لكن الصحف الحزبية ـ كما تتابع ليلى ـ واجهت مشاكل كثيرة أهمها مشاكل التمويل والتوزيع والإعلانات، وبعض الذين تطولهم حملاتها الصحافية كانوا يرفضون الإعلان فيها، في حين لجأ بعضها الى الابتزاز وشن حملات صحافية من اجل نشر إعلانات.
وتقول ليلى: بعض هذه الصحف تعجز عن دفع مرتبات محرريها وهناك تجارب سمعنا انها تتلقى تمويلا خارجيا، وبعض الأحزاب كانت تعتمد على المتاجرة برخص الصحف التي تملكها عن طريق تأجيرها لمن يدفع أيا كان توجهه، بحثا عن تمويل، وهذا كله يؤثر على الأداء المهني؟
وفي الأوقات التي تواجه فيها هذه الأحزاب مشاكل مع النظام نجدها ـ والكلام ما زال لليلى ـ تواجه مشاكل في الطباعة، قد تؤدي الى مصادرتها كما حدث مع جريدة الشعب التي كانت تصدر عن حزب العمل الذي تم تجميده، أو قد تضطر هذه الصحف الى إعلان توقفها كما فعلت الأهالي في السبعينات بعد تضييق الخناق عليها.
وتختم ليلى عبد المجيد مؤكدة أن الصحافة الحزبية في مصر لم تستطع أن تؤدي الدور المنوط بها بشكل كامل ولكنها تقول: رغم أن توزيعها منخفض وتواجه مشاكل عديدة إلا إنها مثلت نقطة تحول في ارتباط الصحافة بالناس وقيامها بالكشف عن الفساد وفضح المفسدين وتقديمهم للأجهزة المختصة لكي يحاكموا.