الدستور -
في العدد الاخير من اسبوعية «الوحدة» التي تصدر في عمان نص رسالة كتبها الاعلامي الشاب مهند الخطيب يوضح فيها اسباب خروجه من فضائية «العربية» للالتحاق بفضائية اردنية قيد التأسيس ،
في رسالته التوضيحية يقول مهند ، وهو ، بالمناسبة ، ابن الاعلامي الكبير والصحفي المخضرم ووزير الاعلام الاسبق الاستاذ محمد الخطيب ، : «ان القناة «التي كان يعمل بها» تحولت شيئا فشيئا لتكون ناطقا رسميا باسم جهات معينة لا تخفى على العاملين في القناة»،، ثم.. يستطرد ليقول صراحة بان «... القناة اليوم تنطق باللسان الاميركي»، ،
ومن قبيل تعزيز اقواله ، يعمد الاستاذ مهند الى ضرب الامثلة وايراد الكثير من مظاهر «.. التحيّز والبروباغندا» في اخبار « القناة المعنية» وبرامجها ومصطلحاتها ، خاصة... تلك المتعلقة باحداث فلسطين والعراق ، خالصا... بعد ذلك الى ان «... القناة باختصار شديد ، هي قناة موجهة تتناوشها اكثر من سلطة» اميركية و.. عربية، ،
وفي الحقيقة... وبالرغم من ان مهندا ، لم يكتشف قارة ، ولم يأت بشيء جديد ، لا يخفى.. ليس «... على العاملين في القناة» فحسب ، بل... على كل مراقب سياسي ومشاهد واع متابع ، الا انه يبقى لاقوال مهند ، اثرها الخاص وقيمتها الثبوتية العالية ، نظرا لانها صادرة عن تجربة ومعاناة من داخل البيت، ،
وقد سبق لكاتب هذه السطور ، عبر مقالات كثيرة في هذه الزاوية ، ان تعرّض بالنقد الشديد لمثل هذه الفضائيات العربية اسما و.. الاستعمارية الصهيونية ، مضمونا ، التي لا تحمل من رسالة الاعلام العربي ، والحرص على المصالح العربية والقيم العربية ، الا... استخدام اللغة العربية، ولذلك سميناها ، الفضائيات الناطقة بالعربية ، تمييزا لها عن الفضائيات الاميركية والصهيونية الناطقة بلغات اصحابها، ،
لا نقول هذا... من قبيل التعصّب الاعمى او التعسّف في الرأي او الادّعاء باحتكار الحقيقة ، ولكن نقوله عن وعي وادراك وخبرة طويلة في الحقول الاعلامية ، لا سيما في الميدان التلفزيوني بشكل عام ، وفي عملية طبخ الاخبار وصناعتها وصياغتها ، بشكل خاص،،.
هذه الفضائيات الناطقة بالعربية التي غدت تنافس رمال البحر في اعدادها ، مما يزيد ويعمق من مظاهر الفوضى والتخبط والبلبلة والتشويش والتلفيق والتيئيس في نفسية المواطن العربي ، بل.. اصبحت كذلك اشد اسلحة الدمار الشامل فتكا وتحطيما بيد الاعداء والغزاة يستخدمونها ويسخرونها في شن اعتى الحروب النفسية التي لم يسبق لها مثيل في كل الحروب التي عرفها العالم من قبل، ،
وهنا.. لا نكران للدور الذي قامت وتقوم به هذه الفضائيات في تحطيم الكثير من الحواجز والتابوهات التي كانت وما زال الكثير منها حتى اليوم ، يحول دون تسريب اشعة الوعي وانوار النهضة الى الشعوب المنكوبة بحكم الطغاة والبغاة وعبيد انانياتهم وزعاماتهم واستبدادهم ، الاّ.. ان ذلك.. على اهميته ووجاهته ، ظل في معظمه مقتصرا على وضعية الدسم المضاف الى طبخة.. السم،،. ان عمق الجُبّ لا يبرر ابدا الاندفاع نحو انياب الدب، ،
الفضائيات الناطقة بالعربية ، وبالذات.. النفطية منها ، تجاوزت كونها اصبحت «...ناطقا رسميا باسم جهات معينة» كما ذكر زميلنا الشجاع مهند الخطيب ، الى ما هو اخطر وأدهى ، حينما راحت في برامجها وحواراتها السياسية والاجتماعية تتعمد المسّ والتعريض بقيم امتنا الاصيلة وخطوطها النفسية والفكرية النابعة من مخزونها التراثي الحضاري العريق الراقي. التفصيلات ، هنا كثيرة ومنوعة وقد لا يفطن لها المشاهد السطحي. اذ.. ما معنى ان تخصص محطات عربية لبث افلام اميركية ، خالية من اي رسالة راقية الاّ اثارة الغرائز والتشجيع على القتل والجنس»؟، ،
يبقى هنا ان نشير الى ان فضائية (الجزيرة) بالرغم من كل مآخذنا عليها ، وهي كثيرة ، قد بادرت الى تعديل الكثير من سياساتها الاخبارية والبرامجية ، خاصة في سنتها الاخيرة،،. وأنا.. لا ادري ، حتى الان سّر هذا الحرص من الجزيرة وغير الجزيرة على الاستعانة بآراء من لم يُعرف لهم اسم ولا جهد الا في عدائهم الصارخ المعروف لكل ما هو عربي واسلامي بل... ومسيحي ، امثال بايبس وبلتيكا وبيرل وروس وانديك ، مع انهم.. جميعهم يهود يحملون الجنسية الاميركية،.
الحديث عن الفضائيات ، خاصة تلك الناطقة بالعربية ، حديث يطول.. يطول بل انه اطول من ليالي العشاق و«... سيرة الحيّة» ، ولكن اغرب ما فيه انه لا يذكر الا بقول المتنبي :
ومن نكد الدنيا على الحرّ ان يرى
عدوا له ما من صداقته بد، ،
وتحية حب وتقدير للخطيب ، محمدا و... مهندا، ،