Saturday 11th of January 2025
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    08-May-2007

بوفاته تنغلق حلقة الكرميين الكبار: حسن الكرمي صاحب قول علي قول وصانع المعاجم العربية يرحل عن 102 عاما

القدس العربي -

برحيل الاذاعي والمعجمي والاديب الفلسطيني حسن الكرمي (1905 ـ 2007) تسدل صفحة ثرية عن قرن من الشهادة التاريخية، وقرن من العمل الدائب لخدمة اللغة العربية والثقافة الاسلامية، وبرحيله تنتهي حلقة الكبار من الكرميين، او عائلة الشيخ سعيد الكرمي التي لعبت دورا هاما في الثقافة الفلسطينية خاصة ممثليها الكبار، الشيخ سعيد الكرمي وابناءه الذين لمعوا في مجالات هامة، خاصة احمد شاكر الكرمي الكاتب والاديب، وعبد الكريم الكرمي (ابو سلمي) الشاعر والمناضل ومحمود الكرمي وعبد الغني الكرمي اللذين عملا في الصحافة وحسن الذي كرس حياته للعمل المعجمي وصاحب فكرة برنامج قول علي قول الذي يقول مؤلف كتاب اصوات عربية بيت بارتنر عن تاريخ القسم العربي في هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي انه كان من البرامج الناجحة وتظل حياة الكرمي صورة عن تقلبات القرن العشرين، وعن تاريخ القضية الفلسطينية بشكل عام.

فالكرمي عايش فلسطين العثمانية والانتدابية والاردنية وفلسطين المحتلة وعايش من علي بعد حكم السلطة الوطنية، وظل في خلال هذه التقلبات والاهوال التي مرت علي وطنه وعايشها في غربته وفيا للقلم وللكتاب، حيث قضي ايامه الاخيرة في عمان، باحثا في معاجمه ومطورا اياها ومحاولا انجاز ما لم ينجز من الابحاث والقراءات، ومن هنا فقد كان الكرمي اخر ممثل للجيل الذي تربي في فلسطين الانتدابية وعاش معظم حياته في بريطانيا، وكون نفسه بنفسه.

وبحسب المذكرات الني نشرتها جريدة القدس العربي 1990 يقول حسن الكرمي انه ولد عام البطيخ في مدينة طولكرم وهو العام الذي فاض فيه الموسم وصدر ما تبقي منه في المراكب الي مصر. وكان في صغره كبير الرأس وادخله والده في الكتاب، في الحارة القبلية في طولكرم. ويتذكر الكرمي والده سعيد الذي حكم بالاعدام عام 1916.

وتلقي تعليمه في مكتب عنبر في دمشق حيث كان والده يعمل في مجمع اللغة العربية الدمشقي، وكان هو واخوته الفلسطينيين الوحيدين في المكتب، ويرسم الكرمي صورة حية عن الحياة والتعليم في سورية في مفتتح القرن العشرين. ويتذكر العديد من قادة الفكر والثقافة في سورية والذين ساهموا في بناء الحياة التعليمية في سورية والعالم العربي مثل عبد القادر المبارك وسليم الجندي وغيرهما. واثناء دراسته في مكتب عنبر التقي بثلة من الطلاب الذين قادوا الحركة الادبية في سورية مثل انور العطار وزكي المحاسيني وغيرهما. . وبعد عودته لفلسطين اشتغل بالتعليم.

عاش الكرمي في فترة الثلاثينات الثورة الفلسطينية، ولم يكن مؤيدا للمجلسيين وقيادة الحاج امين الحسيني، حيث اتهمه البعض بالتعامل مع الانكليز وعاش فترة من الزمن خلف الاضواء خوفا علي حياته.

وفي عام 1938 ارسل في بعثة لبريطانيا، ويبدو غضب الكرمي واضحا علي جماعة الحسيني نظرا لان شقيقه محمود تم اغتياله من بعض مؤيدي الحسيني في بيروت.

وفي عام 1945 تلقي الكرمي بعثة اخري من المجلس البريطاني، وخلال هذه الفترة نما الكرمي قراءاته وعلاقته باللغة الانكليزية التي دأب علي شراء معاجمها. وبعد عودته الي فلسطين عرض عليه مدير البنك العربي عبد الحميد شومان منصبا للعمل في البنك، وكان الكرمي حائرا، قبول العرض ام رفضه، حيث نصحه مدير التعليم في السلطة الانتدابية برفض الطلب. في عام 1948 انتسب الكرمي للقسم العربي في هيئة الاذاعة البريطانية.

ويحمل الكاتب الفلسطيني صورة عن الوضع العام في القسم والتنافس بين العاملين فيه من فلسطينيين ومصريين، والتحزبات التي حملها كل فريق عن الاخر، وضمن هذا السياق يتذكر الكاتب جهوده في توحيد المصطلحات بين العاملين في القسم، ومحاولاته الدائبة لتصحيح الاستخدام اللغوي. ولان الاقران لا يؤخذ من بعضهم في علم الحديث فان الكرمي كان شديدا في نقده للباحث والمؤرخ الفلسطيني عبد اللطيف الطيباوي. ولا يخفي ان التنافس والتناحر بين الاقران يكون موجودا في كل اماكن العمل والاتصال وحديث الكرمي عن الطيباوي واقرانه في هيئة الاذاعة البريطانية/القسم العربي لا يخرج عن هذا السياق.

وخلال عمله في البي بي سي قام بزيارات عديدة للدول العربية منها زيارته لافريقيا، حيث زار السودان في اواخر الخمسينات من اجل تغطية الانتخابات البرلمانية فيها، واجتمع مع العديد من القيادات السودانية واقترح عليهم مشروعا لحل ما اسماه الازمة في الجنوب السوداني، وقابل الكرمي في زيارته الافريقية اسماعيل الازهري احد الزعماء التاريخيين السودانيين.

وشملت زيارته ايضا نيجيريا التي زار فيها احياء الجالية اللبنانية فيها، وزار الولايات الشمالية فيها ذات الغالبية الاسلامية ونقل بعضا من تقاليدها الغريبة، حيث قال ان القرآن لا يذاع في الاذاعة النيجيرية في لاغوس بطلب من السلاطين المسلمين ولديهم تفسير خاص لهذا الامر وهو الاية الكريمة التي تقول واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا ... ، ومن هنا فانه في حالة اذاعة القرآن ولم ينصت له احد لا يحل شرعيا، واستغرب الكرمي من هذا التفسير وعلق قائلا ان الاثم علي المستمع وليس قارئ في هذه الحالة.

كما زار غانا واجتمع فيها مع الزعيم التاريخي لغانا كوامي نكروما، كما نقل شيئا من عادات المسلمين وتقاليدهم في غانا، وصورة عن الخلافات بين الجاليتين اللبنانية والسورية والتي كان لكل واحدة منهما ناد.

اشتهر الكرمي في العالم العربي ببرنامج قول علي قول ، الذي اسماه اولا لكل مقام مقال ثم غيره للاسم الذي عرف به وفكرة البرنامج كما وصفها تعليمية تهدف لايجاد وسيلة تؤدي بالناس عامة وبالطلاب خاصة الي التعرف علي اللغة العربية وأساليب التغير فيها، وذلك عن طريق ذكر الاشعار، والاقوال في مناسباتها، لان مناسبة القول في بيت الشعر عون علي فهم معناه بالتحديد .

واقترح الكرمي عددا من الشروط لمن يريد تقديم البرنامج ان يكون المجيب علي معرفة تامة بالشعر العربي في أول عهده، وان تكون له فراسة في الشعر العربي بعد طول الدراسة والممارسة، وان تكون لديه مكتبة شعرية كاملة تعين علي البحث والدراسة. وقد اشتهر البرنامج، حيث ظل يذاع حتي نهاية الثمانينات، وحينما قرر الكرمي ايقاف البرنامج نظرا لكبر العمر، تلقي الاف الرسائل من المعجبين به من معظم انحاء العالم العربي الذين طالبوه باعادة البرنامج.

وكان الكرمي يردد في البرنامج لازمة معروفة تقول وسألني سائل من القائل وما المناسبة؟ . ونظرا لانتشار البرنامج فان العديد من الاذاعات العربية حاولت تقليده دون جدوي، فأني لها بشخص بثقافة وتوسع الكرمي. وتساءل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن عدم سبب وجود برنامج للشعر مثل هذا البرنامج، وكان الملك فيصل بن عبد العزيز احد المعجبين به، والرئيس العراقي السابق احمد حسن البكر، والشيخ زايد بن سلطان الذي ارسل في طلب الكرمي ليسأله عن بيت شعر غريب، فلما وجده الكرمي اعطاه الشيخ زايد هدية 300 جنيه استرليني وهو مبلغ صخم في حينه.

وتحدث الكرمي انه حاول بعد طباعة كتابه قول علي قول في ثلاثة عشر مجلدا ان يدفع الوزارات العربية لتقريره علي المدارس العربية، ولكن محاولاته باءت بالفشل، وقيل له ان السعودية رفضت تقرير الكتاب بسبب احتواء الكتاب علي اشعار الخمر. واستمر الكرمي في تقديم برنامجه حتي بعد تقاعده من العمل في القسم العربي في هيئة الاذاعة البريطانية، في اواخر الستينات.

من الجوانب الاخري المهمة في حياة الكرمي، والتي تتعلق ايضا بخدمة اللغة العربية، كان انشغاله الدائم بتطوير المعجمية العربية، ويبدو ان هم تطوير المعجم العربي الثنائية منها والاحادية كانت هما يوميا ودائما، ويقول الكرمي في هذا السياق انه لم يترك معجما بالعربية او الفرنسية او الانكليزية الا واقتناه، كما فرز كل ترجمات القرآن الكريم للغة الانكليزية واعجبته ترجمة محمد اسد، فيما لم يستحسن ترجمة عبدالله يوسف علي.

ويعود اهتمام الكرمي بالمعجم العربي الي ايام عمله في القسم العربي بهيئة الاذاعة البريطانية حيث انتقد طريقة ترجمة الاخبار، واشار الي عدم الدقة في فهم معني الكلمة العربية حينما يتم وضعها في سياق سياسي او اقتصادي. وفي هذا الاتجاه كثيرا ما عاب الكرمي علي الكتاب الذين اتخذوا من ترجمة الكتب العربية للانكليزية تجارة رابحة، حيث وسم الباكستانيين الذين اتخذوا ترجمة الكتب الاسلامية للانكليزية صنعة للتكسب. وفي هذا السياق قدم الكرمي سلسلة معاجمه التي ابتدأت بالمنار عام 1970، والمغني، والمغني الكبير والاكبر، والهادي الذي كان معجما احاديا.

كانت هواية الكرمي هي القراءة وقد اسس اكثر من مكتبة في كل مكان كان يقيم فيه، وكان ازدحام البيت بالكتب من العلامات البارزة في حياته حيث كان يقول انه كان يقرأ طوال الوقت.

عاش حسن الكرمي في بريطانيا لمدة 41 عاما، وكما يقول تيم ليلوين في المقال الذي كتبه عنه في صحيفة الغارديان (7/5/2007) فالكرمي لم ينس ان يذكر الدولة التي استضافته مسؤوليتها عن ضياع فلسطين، وقتل حلم العرب بالحرية. ويقول ان الكرمي ونتيجة لقراءاته المعمقـــــة في الفلسفة والتاريخ الغربيين توصل الي نتائج حول العداء الدائم في اليهودية والمسيحية لعالم الاسلام وكيـــف ان اليهودية نقلت عدوي الشعب المخـتار للمسيحية، مع ان الكرمي لم يكن رجلا متدينا وكان عقلانيا يقيم آراءه علي الدراسة والبحث في الفكرين الغربي والشرقي.

ويشير ليلوين الي اثر النكبة علي شخصية الكرمي حيث عندما ترك بيته عام 1948 مع زوجته السورية امينة واولاده الثلاثة (زياد وسهام وغادة) وهي التي وصفتها ابنته غادة في كتابها البحث عن فاطمة بشكل مؤثر واشار اليها الكرمي في مقابلة عندما قال انه ترك كل شيء، علي امل العودة ولكن العودة غير ممكنة لان بيته صار محتلا.

يعتبر جهد الكرمي المعجمي جهدا شخصيا، حيث حاولت العديد من مجامع اللغة العربية تبني عمله، ولاسباب غير معروفة ظل جهد الكرمي جهدا شخصيا ومشروعا شخصيا يقوم علي حماية اللغة العربية وتطويرها، وادخال العديد من المفردات اليها باعتبارها لغة حية متطورة. وفي عام 1983 عينه مجمع اللغة العربي الاردني عضوا فخريا فيه.

ونال في عام 1969 وساما من الملكة البريطانية اليزابيث الثانية علي خدماته في مجال العمل الاذاعي.

كتب عنه حسين احمد امين متذكرا كان نادراً ما يبتسم، ونادراً ما ينفعل، بارد العاطفة، أو هكذا خيل إلي، كذلك خُيل إلي أنه شديد الحرص في الإنفاق، ربما لأني لم أكن أراه في مطعم الإذاعة ساعة الغداء إلا وأمامه كوب من اللبن الزبادي لا يتجاوزه إلي غيره. أما المؤكد فهو أنه كان دودة كتب ، لا حديث له إلا في ما يقرأ أو يكتب، في تصريف فعل أو أصل كلمة، ولا اهتمام له خارج حدود الكتب وعمله الإذاعي، ولا غرام يشغل قلبه غير الغرام باللغة العربية. فهو ملم بتراثها إلماماً يندر أن تجده في غيره، وما كان ليبزّه فيه من معاصريه غير الأستاذ محمود محمد شاكر.

أما المسرح والموسيقي والسينما وفنون التصوير والنحت والباليه والأوبرا، فلا أحسبه كان يدري شيئاً عنها، أو هو علي الأقل ما كان ليتعرض لها أثناء حديثه بكلمة .

ناقد من اسرة القدس العربي