Sunday 24th of November 2024
 

عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 

مواقع التواصل الاجتماعي

 
 
  • التاريخ
    13-Oct-2010

الكاتبة والناشرة رانيا زغير: نمارس على أنفسنا رقابة أكثر غباء من رقابة الأمن العام!

القدس العربي -

: رانيا زغير مؤلفة كتب اطفال وناشرة. أسست 'دار الخياط الصغير' لتتمكن من توزيع اعمالها ونشرها بما يخدم رؤيتها الإنسانية والفنية في ذلك العالم الخاص من الإبداع. شخصيتها المتمردة والصريحة تشبه تماما طفلا كبيرا تحاوره فيسجل أمامك مواقف صادمة وشاجبة بكل صراحة متخففا من الديبلوماسية وغير مكترث إلا لحيز مخيلته الواسع. واحدة من الأسماء الشابة التي استطاعت ترك بصمتها في محافل أدب الاطفال الدولية. معروفة بغزارة إنتاجها وقد ترجمت كتبها إلى لغات عالمية كالإيطالية والألمانية والكورية. عن تجربتها في هذا المجال، وبخاصة في لبنان، كان معها هذا الحديث:

* يتجه معظم الشباب اليوم إلى السينما، أو الفن المعاصر، البرفرمانس، الشعر أو الرواية. فما هي الأسباب التي دفعت برانيا زغير إلى اعتماد أدب الطفل كحيز تعبيري خاص؟

* هذا لأنني أستطيع أن أقدم مادة أدبية تشجع على القراءة الطوعية وتجعلها اكثر شيوعا بين العديد من الشرائح الاجتماعية في المنطقة. أعرف ان الاغلبية تعتقد ان القراءة الترفيهية مضيعة للوقت. ربما هذا صحيح! فلماذا لا نضيع الوقت بمادة تطور الفكر الانساني وتعزز القدرة على التعلم وفهم العالم المحيط. لماذا لا نضيع ـ بل نهدر- الوقت بكتاب قراءته ليست مجرد عملية فردية فقط بل تُعد أيضا حوارا جماعيا عندما تتم مناقشته مع الآباء والاصدقاء والمعلمين. اخترت مهنة أدب الاطفال لأتمكن من 'هدر' الوقت بقصة تؤدي الى النمو العاطفي للطفل ( كقصة 'حلتبيس حلتبيس') والى تعزيز الشعور بالتعاطف مع الاخرين وتدعم فهم الطفل للطوائف والاجناس ( كـ 'لماذا أمطرت السماء كوسى وورق عنب؟') وتثير الخيال والابداع، كما تمنح القوة والالهام ( 'سيسي ملاقط تلبس خروفا ودودتين'). أريد بأدبي أن يكون اداة للمواساة والسلوى وان تكون له اهمية كبيرة في حالات النزاعات والفقر. لا اريد ان أبتعد عن رانيا 'الزغيرة' فما زال لديها الكثير من الاسئلة التي تريد من رانيا 'الكبيرة' أن تلقى لها اجابة.

* ما الذي يميز هذا النوع من الأدب عن غيره من الاجناس الكتابية ( الشعر، الرواية، القصة القصيرة، النثر..) برأيك؟ وما هي صعوبات العمل فيه؟

* الأدب أدب سواء كان للكبار أم للصغار. ولكل مرحلة عمرية 'حساسيتها'. أنا لا أوافق على القول بأن 'الهوامش ضيقة' أو ثمة صعوبات!! على العكس لأن الهامش واسع جدا. الخيال المطلق مطلوب والحرية في التعبير مطلوبة وأن يكون القاص يتمتع بضربة خاصة وأن يكون 'مشعوطا'... هذه كلها مكونات اساسية في هذا المجال.

* استحدثت في كتاباتك لغة مختلفة، رشيقة، سهلة، توحي بالتلقائية ويعتبرها البعض خطرة كذلك كونها تتطرق إلى موضوعات كالجنس. حدثينا عن كيفية تطويرك لهذه اللغة، ولماذا تركزين على الجنس في أعمالك؟

* برأيي أن كل شيء ينطق به العرب عربي. فاللغة العربية تستوعب اللغات الأخرى وتطوعها أما العكس فليس صحيحا. أنا لست مع الحفاظ على اللغة العربية بل مع تطويرها وإعادة النظر بها وتحديثها وعصرنتها. أخاف من الذين يريدون تحنيطها تحت لواء 'الحفاظ عليها'.

أما بالنسبة إلى سؤالك عن تطرقي إلى الجنس، أود الاشارة إلى أنني أعالج موضوع الحب والجنسانية في بعض مؤلفاتي ولا سيما في:

حلتبيس حلتبيس: أيقونة الحب وشفيع المغرومين الكبار منهم والصغار. هو نجم الخياط الصغير وحديث الساعة. أردت أن أطرح قضية الحب العذري في كتاب للأطفال وفي بقعة جغرافية تعتبر أن هذا الموضوع 'بعد بكّير عليه'. لم أكن أعرف أن الحب يُعتبر من المحرمات! وان الدعوة له قد تثير تحفظات الأهل والجيران والمدارس والكنيسة والجامع والجمعيات التي لا تبغي الربح كما والجمعيات التي تبغي الخسارة! .... هل هناك بيان رسمي أو قانون يحظر وينهى عن الحب؟ أم اننا أضحينا في وقت تعزز ثقافة العنف واللا حب ( أي الكره) في مناهجها ومؤسساتها وقوانينها وحتى في أدق وأسخف التفاصيل الحياتية اليومية. فكلما وقع بين أيدينا كتاب يتناول موضوع الحب نتلقى محتواه بشكل نافر لأن العادة لم تعد تجري على سماع الالفاظ والقصص التي تحكي عن الحب. للأسف أصبحنا أكثر تعصبا وانغلاقا لمثل هذه المواضيع. أستغرب وأسأل، أليس الأدب العربي مليئاً بقصص وشعر ليس فقط عن الحب بل والجنس أيضا. وأذكر على سبيل المثال 'ألف ليلة وليلة'، 'قيس وليلى'، 'عنتر وعبلة' وكل ما صدر عن العذريين.

نمارس على أنفسنا أغبى أنواع الرقابة ( أغبى من رقابة الأمن العام). نمنع أولادنا (0 الى 18 سنة بحسب تصنيف الأونسكو العالمي لمرحلة الطفولة) أن يقرأوا ويناقشوا الحب والجنس ونحذرهم منه أو نسمح لهم بحب الأم والأخت والمعلمة! هل تظنون أن الأطفال سينتظروننا حتى نخبرهم عن الحب والجنس؟ ألا تعتقدون ان بوسعهم تثقيف أنفسهم في هذا المجال اذا لم نرغب نحن الكبار بفعل هذا؟

انا أحرص على التطرق الى هذا الموضوع ( من خلال كتاباتي والرسوم أيضا) لأن أدب الأطفال يهدف الى تقديم خبرات لغوية وحياتية وعاطفية تسمح للطفل بمواجهة قضايا وقيم ومواقف تساعد الطفل على التعرف الى العالم من حوله. أريد ان أقدم قصصا تحمل أجوبة للمآزق العاطفية والوجودية التي يعيشها ( مثل قصة 'حلتبيس حلتبيس' كتابة رانيا زغير ورسوم دافيد حبشي).

منذ سن الثالثة يبدأ بالتبلور فضول الطفل للمعرفة والاطلاع. وللأدب دور كبير في منح الطفل فرصة كي يفهم نفسه ومشاعره بشكل أفضل. برأيي، فإن التطرق لموضوع الحب والجنسانية في أدب الأطفال، وأن نحدّث أطفالنا عنه صراحة، يُفرِح فرويد الذي أثبت أن التفتح الجنسي لا يبدأ في سن المراهقة بل قبل ذلك بكثير. فبين عمر 18 شهرا و3 سنوات يبدأ الطفل بإظهار تصرفات خاصة بجنسهم. يبدون اهتماما بأعضائهم التناسلية ويجدون متعة في لمس أنفسهم وإن أيقظ ذلك شيئا من القلق عندهم. يُظهِرون أولى اندفاعاتهم العاطفية. وهذا التفتح الجنسي يؤثر في مشاعر الطفل، بل يحولها، مما يسمح لخياله بالنمو بشكل كبير. وقد أثبت المحللون النفسيون أن الطريقة التي يُعامل ويُعاش بها الحيز الجنسي في مرحلة الطفولة تؤثر على بل تشكل مواقف ومشاعر الطفل حول الحياة الجنسية عندما يصبح ناضجا. فطريقة التعاطي هذه مسؤولة بشكل جزئي عن نوعية التأقلم مع الحياة الجنسية في مرحلة النضوج.

* نقلت الى لغات اجنبية عديدة، وآخرها إصدار لكتابك 'سيسي ملاقط' بالإيطالية. كيف تقرئين حركة الترجمة في العالم العربي، وما هي ضوابطها برأيك؟ وألا تشكل ترجمة أعمالك مجازفة بالنص الاصلي الذي يتضمن مفردات قريبة من لهجة الطفل العامية 'اللبنانية'؟

* لقد ترجم كتابي 'سيسي ملاقط' إلى الايطالية عن دار سيريندابيتا - بولونيا. وكتابي 'من لحس قرن البوظة؟' الى الألمانية عن دار أورينت - برلين. وكتابي 'لَمّا بلّطت البحر' الى الكورية عن منظمة غير حكومية تدعى ديوم - سايول. هذه شهادة من الدول التي يعتبر أدب الأطفال عندها متطورا جدا. فأعمالي برأيهم تنافس ما ينتج في بلدانهم وتستهوي ذائقة قرّائهم. وأنا سوبر سعيدة بهذا. أما بالنسبة الى مسألة 'المجازفة' فهي حاصلة بالتأكيد... أحلى مجازفة. أحب قدرتي على الاستسلام للغة المترجم. ليفعل بها ما يشاء. ليصبح نصي الأصيل نصه الاصيل. برأيي ان الترجمة البارعة تكمن في تبني المترجم النص تبنيا رسميا وكليا وليصبح هو أمه وأباه كما فعلت أنا عندما كتبت النص بالعربية.

* ما مدى دعم الوزارات المعنية اللبنانية لنشاطاتكم خصوصا وأن حضور كتاب الطفل بقي خجولا في محفل 'بيروت عاصمة عالمية للكتاب 2009'، كما أنه حورب في 'بيروت 39' إذ إستُثني كتّاب الأطفال من هذه المسابقة؟

* طز. لا أبالي. هم يستثنونني كفرد في هذا المجال إلا أنهم يهمشون المجال كله: أدب الأطفال. سأتجنب الحديث عنهم.... 'مهابيل'.

* مم تستمدين حكاياتك؟ أهي الحرب؟ التردي الاجتماعي؟ السجال السياسي الذي لا يتوقف في لبنان؟ الفوضى؟

* عندي تجربة في هذا الموضوع . فقد ألّفت ونشرت كتابا بعنوان: 'لماذا أمطرت السماء كوسى وورق عنب؟' ( رسوم سارة سراج). هذا الكتاب بمثابة تحية أو بصقة (هذا التعبير أدق) على ما جرى في 7 أيار ( مايو) 2008. ففي ذلك اليوم، أدلت كل أحزاب وطوائف وزعماء لبنان بدلوها على الشعب اللبناني، فأردت، من خلال هذا الكتاب، أن أدلو بدلوي أنا أيضا لكن بأسلوب أكثر تأثيرا ورقيا.

أدب الأطفال قادر على المساهمة في تشكيل الوعي حول الصراعات المذهبية والعرقية التي تعيشها البلدان. وقد يكون هذا الأدب من أخطر وسائل التأثير في الأجيال لتنشئتها وتزويدها بالأفكار التي تعكس أهداف الشعوب، لذا- وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يغفل أدب الطفل الصهيوني هذا الجانب، بل قام بتطويره وجعله وسيلة رئيسية من وسائل إعداد أجياله بما يهدف اليه من غايات.

أتمنى ان نعي أهمية أدب الأطفال و مسؤولياته تجاه مجتمعنا اللبناني. أردت أن أعالج موضوع الطائفية، بأسلوب رمزي غير مباشر، لاثارة نقاشات بين القارئ الطفل والأهل أو المعلمة. إن لم يتعلم الأطفال كيفية مناقشة مواضيع حساسة وهم صغار فمتى يتعلمون ذلك؟ في الجامعة؟ لا أظن!

* نلاحظ غيابا تاما لهذا الأدب في الصفحات الثقافية اللبنانية. ألا يشعرك هذا بشيء من التهميش؟ وهل في مشاركاتك في المهرجانات الدولية تعويض عن هذا التجاهل غير المفهوم؟

* ليس فقط تجاهلا من الصحافة الثقافية بل الحكومة ( وزارة الثقافة) برمتها والمجتمع المعني به. ليس هناك أي معرض متخصص بكتاب الطفل في لبنان على نسق معرض بولونيا مثلا المتخصص بأدب الأطفال الذي يقام سنويا في ايطاليا والذي يمنح جوائز مختلفة لكتب الأطفال. لبنان لا ينظم أي مؤتمر سنوي / دوري أو مهرجان لأدب الأطفال. نادرا ما تقوم بعض الجمعيات المهتمة بعقد ورشة عمل هنا وطاولة مستديرة أو 'مربّعة' هناك ( بشكل عشوائي او استعراضي)، لكن هذه الندرة لا تساعد في تراكم الخبرات في هذا المجال ليجعلها أكثر أكاديمية وعلمية. ليس هناك أي نوع من الالتزام نحو هذه القضية ( قضية أدب الأطفال) مما ينعكس سلبا على مستواه ونوعيته. وبالتالي يؤدي الى تشكيل حالة اغتراب بين القارئ العربي الصغير والكتاب. فما يُكتب ويُنشر له وليد حركات عشوائية تفتقر للأسس المتينة العلمية التي تتجلى عادة في حركة ناشطة من الدراسات الاكاديمية والمؤتمرات والندوات. كل هذا يؤدي الى انحدار واضح في المستوى والنوع في كتب الاطفال. منذ نشأة دولة لبنان الكبير والتي سميت لاحقا الجمهورية اللبنانية ونحن نتنفس غياب التخطيط الاستراتيجي على الصعيدين الرسمي والمدني ( ولا سيما في موضوع ثقافة الطفل وآدابه)، فهذا الغياب المغفّل طبعا لم يساعد على إنشاء أجيال لها علاقة متينة وحنين يغرقك أحيانا الى ما كانت تقرأه أو يُقرأ لها في صغرها. اذا سألنا أي رجل او امرأة بالغة اليوم أن يسمي / تسمي لنا كتابا قرأه / قرأته أو كاتبا للأطفال أثر به / بها لما استطاع / استطاعت الاجابة، أو قد يجيب / تجيب بعد وقت طويل وتفكير مركّز. هذه العلاقة أو 'اللاعلاقة' المشبوهة فرّخت ممارسي مهن ( مثل الصحافيين) غير آبهين بهذا النوع من الأدب. فهم لا يعتبرونه مجالا يستحق النقد تماما مثلما هو التعاطي مع أدب 'الناضجين'. لقد خذلَنا الجسم الصحافي في لبنان بتجاهله لهذا النوع من الأدب. كلما ارسلت كتاب أطفال لناقد أدبي معروف ألاحظ انه يتفادى الكتابة عن أدب الاطفال وكأن بهذا انتقاصا من أهميته ورتبته كـ 'لواء' في الصحافة. أضيف أن ألوية وعمدة الصحافة غير ملمين ( بسبب قلة اطلاعهم) وغير متدربين / متخصصين في نقد هذا النوع من الادب ايضا. ينقصنا فعلا صحافيين متابعين لهذا المجال. لا توجد أية نشرة متخصصة أو عمود ثابت يسلط الضوء على كتب الأطفال. كانت هناك محاولة خجولة تصدر كملحق مع جريدة 'النهار' لكنها توقفت عن الصدور لأسباب غامضة أيضا.

* كيف تشرحين لنا هذا الكم من البصريات الموجودة في كتبك؟ ألا يمكن لها أن تحيل النص إلى مكوّن ثانوي للعمل ككل؟

* إن الصورة لغة كما اللغة لغة. فلما لا نكثف جهودنا لإكساب الطفل لغة ثالثة ( بعد العربية والانكليزية / الفرنسية)؟ ألسنا في بلد نفتخر فيه بتعدد لغاته؟! أنا مهووسة في اختيار افضل الرسامين لتنفيذ كتبي. برسومهم يخلقون لغة جديدة ويأخذون لغتي ( النص المكتوب) الى مكان آخر مشكّلين بذلك بُعدا ورؤيا جديدة للقصة. أتعامل مع الرسامين كجزء من عملية التأليف في كتاب الطفل. أنا اشجع الرسام على التفلت من الترجمة الحرفية لنصي وأن يبلور رؤيته الخاصة لتحقيق تواصل بصري عميق ومتين. كما أني حريصة على إعطاء قارئي / قارئتي فرصة لينضج / تنضج فنيّا وترتقي ذائقته / ها. لا يهمني إن كان ذلك على حساب اللغة اللغوية أحيانا، فالهدف الأكبر هو أن يرى القارئ نفسه في كتابي. قد يتحقق ذلك من خلال النص المكتوب أو النص المرسوم.

* مَن مِن الكتّاب العالميين يثير اهتمام وفضول رانيا زغير في أدب الطفل؟ ولماذا؟

* على الصعيد العربي، تأثرت كثيرا بتجربة 'دار الفتى العربي' وخصوصا إبداعات الراحل محي الدين اللباد. شكلت تلك الكتب أولى علامات وعيي السياسي ومفهومي للقضايا العربية . أما على الصعيد العالمي، أقرأ باستمرار كتب شيل سلفرشتاين وذلك لأنه يستطيع ان يقول الكثير بكلمات وخطوط قليلة ومقتضبة. قرأت كتابه 'الشجرة المعطاءة' (The Giving Tree) أكثر من 300 مرة. كما أنني أستطيع أن أردد الكثير من أشعاره التي أحفظها عن ظهر قلب واكتشف فيها على الدوام عمقا وأبعادا جديدة كلما قرأتها. أحبه لأنه تجرأ وسأل الحمار الوحشي (zebra): هل أنت أسود بخطوط بيضاء أم أبيض بخطوط سوداء؟؟